النكارى.. مطايا المُلْحِدِين/ ج1

النكارى..

 مطايا المُلْحِدِين

في الرد على كتاب (الحديثيون) للدكتور طه الدليمي

الجزء الأول

تأليف

الطالب للعلم

تموز – 2025

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قال تعالى:

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( إن ضعفَ الإيمانِ إذا اقترنَ بهوى النفس

– وإن كانَ صاحبُهُ أعلمَ العلماء –

يجعلُ الإنسانَ يلقفُ الشبهةَ التي يجدُها بآيةٍ واحدةٍ أو آيتين متشابهتين

(أي تحتملان أكثرَ من معنى)

فيَحْمِلْهُما على معنى واحدٍ غير مقصودٍ ويطيرُ بهما فرحاً لأنه رآهما تتفقانِ

– لا مع الحقِّ – بل مع هواه،

ولا يكلفُ نفسَهُ البحثَ عن باقي الآياتِ الكريماتِ المحكماتِ الواضحاتِ الكثيراتِ التي يتوضحُ فيها المعنى كاملاً (لا ريبَ فيه)

وتُفنِّدُ كلَّ شبهاتِهِ وتنسفُها من الأساس.

 ولربما عرفَها فأعرضَ عنها، وتلك هي الطامةُ الكبرى والعياذ بالله. )

 

قال تعالى:

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ }

(22) السجدة

 

 

 

 

 

 

مقدمة الجزء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، الذي أنزلَ إلينا هذا القرآنَ المعجِزَ، والذي وصفَهُ بقولِهِ (لا ريب فيه) أي لا شكَّ يطالُهُ أبداً في ثبوتِهِ وصدورِهِ عنه سبحانَه، وهو مصانٌ عن أن يتم تحريفُ كلماتِهِ وحروفهِ بزيادةٍ أو نقصانٍ أو تبديلٍ، لأنه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وهو بكل تأكيد (تنزيل من رب العالمين)..

وهو كتابُ هدايةٍ لكلِّ من أرادَ الهدايةَ إلى طريقِ الحقِّ والصواب، كما إنه هو نفسَه (القرآن الكريم) كتابُ ضلالةٍ لكلِّ من عَمِيَ عنه وانحرف.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) البقرة

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) فصلت

فكما إن الله تعالى يهدي، فهو كذلك يُضِل.. وكذلك كتابُهُ سبحانه وتعالى، يهدي ويُضِل.

ولكن يهدي مَن؟ ويُضِلّ مَن؟ هذا ما سيتبيّنُ لنا في هذا البحث إن شاء الله تعالى.

والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنا محمدٍ الصادقِ الأمين، الذي أرسلَه اللهُ تعالى بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَه على الدينِ كلِّه ولو كَرِه المشركون.

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) التوبة

وهو (ﷺ) الذي أمرَنا ربُنا في كتابهِ الكريمِ أن نُطيعَه إذا أردنا الهدايةَ، ونَتَّبعَه وأن نَحذَرَ من مخالفةِ أوامرِهِ كي لا تصيبَنا فتنةٌ أو يصيبَنا عذابٌ أليم:

وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا…. (54) النور

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور

وهو (ﷺ) الذي جعل اللهُ طاعتَه طاعةً لله سبحانه وتعالى:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) النساء

وهو (ﷺ) الذي أمرَنا ربُنا بأنه إذا قضى أمراً فلن تكونَ لنا أي خيرةٍ من أمرنا بعد قضائه:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) الأحزاب

 

فتن كقطع الليل المظلم

قال رسول الله (ﷺ): (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.)([1])

وقال رسول الله (ﷺ): (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)([2])

في السنوات الأخيرة رأيتُ الساحةَ الإسلاميةَ قد دَخلَ عليها الكثيرُ من الفتنِ والضلالاتِ التي يظنُّها السامعُ أنها جديدةٌ ومحدثةٌ ولم يَسبِق مُثيريها ومُروِّجيها أحدٌ، ولكنك بمجرد البحثِ البسيط ِسترى أنها – جميعَها – تستندُ في أصولِها على أفكارٍ وعقائدَ لفرقٍ سبقتْ واندثرت.

وقد ملأ العلماء المتقدمون بطونَ الكتب والفضاءات ردوداً عليها. وأوضحوا الحق وأبانوا الباطل، ولكنَّ الجهلَ وضعفَ الإيمان يوقِع العوامَ في مثل تلك الأفكار التي يقودُها من لديه هدفٌ وغايةٌ معروفةٌ ومفضوحةٌ لا تخفى على كلِّ ذي عقلٍ ودين، ألا وهي تدميرُ هذا الدين من داخله، وذلك أسوء ما يمكن فعلُهُ في محاربة دين الحق وأهله.

وأعداءُ الدين يجددون طرحَهم وأساليبَهم في كلِّ مرة للوصول إلى أبلغ تأثير في أتباعهم الجهلة، لذلك اتجهوا – في هذا العصر- إلى الانترنت وإلى مواقع التواصل الاجتماعي بكل أنواعها لبثّ سمومِهم. فيتلقف المتلقي المسلمُ الجاهلُ شُبَهَهم تلك وقد زوّقوها وحسّنوها ووضعوا عليها كل المُحلِّيات والمقبِّلات، وغلَّفوها بالإيهامِ على أنّهم حريصون على هذا الدين وأنهم يحبون كلام الله تعالى ويتبعون القرآن الكريم ويدافعون عنه أشدَّ الدفاع، لذلك أطلقوا على أنفسهم اسم (القرآنيون)!

وزَعَموا وادَّعَوا أنّهم هم المسلمون حقاً، فهم يتّبعون آياتِ الله، وكذبوا في ادعائِهم هذا شرَّ كِذبة..

فإنَّهم لو كانوا يتبعون القرآن حقاً لأطاعوا رسولَ الله لأن القرآنَ نفسَه يأمرهم بهذا.

ففي آياتٍ كثيرةٍ محكمةٍ يأمرُنا ربُّنا سبحانَه باتباعِ سُنَّةَ نبيّكم الكريم، التي جاءتْ مؤكِّدةً لما أصَّلَه القرآنُ الكريم، ومبيّنةً لمُجمَلِهِ، ومُخصِّصَةً لعامِّهِ، ومُقيِّدةً لمُطلَقِهِ، ومُوضِّحَةً لمُشكَلِهِ، ومُشرِّعَةً لأحكامٍ لمْ تَرِدْ فيه، فلماذا لا يعترفون بها ويحاربونَ مع يُثبتُها، فأينَ هُم من القرآنِ الكريمِ؟ وأين القرآنُ الكريمُ منهم؟!

لذلك تَمَّ إطلاقُ تسميةِ (النكارى) عليهم لأنهم أنكروا سنَّةَ المصطفى (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وهذه التسميةُ قد سمّاهم اللهُ تعالى بها، كما قالَ سبحانَه:

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) المؤمنون

والمصيبةُ أنَّ كلَّ من دخلَ هذا المدخلَ المنحرفَ الخطيرَ من العلماء قديماً وحديثاً إنما دَخَلَهُ تحتَ عنوانِ أغواه الشيطان به وهو (إعادة اكتشاف الدين)([3]).

فكأن الأمة الإسلامية كلها بما فيها رسول الله (ﷺ) نفسه، وكلّ الصحابة (رضي الله عنهم) وجميع التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا، كلّهم لم يعرفوا الدين الإسلامي، وكانوا ضُلّالاً جاهلين به أشدَ الجهل حتى أتى هذا (الفطحل) ليبينَ للناسِ دينَهم من جديد!

وقد وَجدْتُ أغلبَ رؤوسِ وقادةِ هذا الزيغِ والضلالِ (كمحمد شحرور، والكيالي، وعدنان إبراهيم، ود. حنان، وصالح، وغيرهم) لا يفقهون شيئاً من أصولِ وقواعدِ اللغةِ العربيةِ، ولا أصولِ علومِ القرآن، ولا أصولِ علومِ الحديث، فضلاً عن أصولِ الفقهِ والمنطقِ والعقل، بل لا يعرفون قراءة القرآن الكريم على الوجه الصحيح([4])!

قد يعرف كثيرٌ من الناس رؤوس الشر في هذا الزمان (محمد شحرور) و(الكيالي) و(عدنان إبراهيم)، ولكنهم قد يجهلون من هي (د. حنان)، هي شخصية معروفة جداً على تطبيق التيكتوك، وتظهر دائما متشحة بالحجاب الإسلامي، وتتكلم بكل وقاحة وتتهجم على أهل السنة بهمجية بالغة، مع إنها لا تعرف أن تقرأ آية واحدة من القرآن الكريم!

أما (صالح) فهو مشهور كذلك على التيكتوك ويطلق على نفسه مرةً (ملحد سابق) ومرةً (قرآني) ومرةً (متدبر)! وقد انتشر له مقطعٌ في بثوثِ الملاحدةِ يقول لهم أنه قد استغفل المسلمين السُذجُ وضحك عليهم بقوله أنه قد ترك الإلحاد وأصبح (مسلماً قرآنياً) فأصبحوا لا يستطيعون تكفيرَه بعد اليوم، وبهذه الطريقة يستطيع نشر شبهاتهِ وسمومِهِ وطعوناتِهِ بالدين الإسلامي دون أن يطرده أحد!

وهذا ما جعلني أطلقُ على ردودي هذه عنوان (النكارى.. مطايا الملحدين).. لما رأيتُه واضحاً جلياً ممن يسمون أنفسهم (قرآنيين) وهم في حقيقتهم إما ملحدون زنادقة، أو جهلةٌ همجٌ رعاعٌ مستغفَلون يركَبُ عليهم الملحدُ لينشرَ كفرَهُ وإلحادَهُ بين المسلمين.

وقد قيّضَ الله تعالى في تلك البثوث وفي غيرها من مواقع التواصل رجالاً لم يسموا أنفسهم (علماء) لكنهم ملأوا هذه المنصات بعلمهم، وسخروا أوقاتهم وأموالهم وأنفسهم للتصدي لهؤلاء المنحرفين، فجاهدوهم بكل الوسائل الممكنة وفي كل الميادين والعلوم، في علومِ الدين فتفوقوا عليهم ودحروهم بها، وفي علومِ المنطق والفلسفة فتفوقوا عليهم ودحروهم بها، وفي العلومِ الكونيةِ فتفوقوا عليهم ودحروهم بها، وفي علوم العقائد والتاريخ والفرق والملل فتفوقوا عليهم ودحروهم بها. فبارك الله بهم وجعلهم شوكة في عيون كل متربص بهذا الدين العظيم([5]).

حكمة بالغة تعدل الدنيا كلها

وأغربُ ما رأيتُ وأعجبُ ما مرَّ بي أن يقومَ رجلٌ معروفٌ وله مكانة علمية جيدة في صفوف أهل السنة والجماعة، قضى عمره كله وهو يحمل رايتهم (الراية والهوية السنية)، ويدافع عن قضيتهم (القضية السنية)، وجعل نفسه زعيماً (للتيار السني)، يقومُ هو نفسُهُ بالانقلاب على السنة النبوية ومحاربتها والطعن بالشيوخ الذين نقلوها والتهجم على علمائها وتسفيه الأمة التي تنتمي إليها وتخطئتِها جميعها ابتداءً من صحابة رسول الله (رضي الله عنهم) وحتى يومنا هذا!

فقد كتبَ هذا (الشيخ) الذي كنا نعتبره – نحن أهل السنة في العراق – عالماً جليلاً مجاهداً، كتباً ومقالاتٍ كثيرة، وقدّم خطباً ومحاضرات كثيرة، وقام بتقديم برامج ومناظرات كثيرة، يردُّ بها على فتنٍ وشبهاتٍ وضلالاتٍ وانحرافاتٍ قد وقعَ هو نفسُه في كثير منها بعدَ ما يقارب الخمسين عاماً من السير في طريق الحق، اللهم سلِّم!

هذا ما حصل فعلاً مع (الشيخ) طه حامد الدليمي للأسف الشديد، وهو ما جعلني أتصدى للردِّ عليه وتفنيدِ شُبهاته من خلالِ ما تعلمتُهُ أنا منه مباشرةً وبصورةٍ شخصية!

وقد يقولُ قائلٌ: إن الدكتورَ طه الدليمي ليسَ قرآنياً ولا نكرانياً لكي تُصنِّفَهُ وتَضَعَهُ في زمرتِهم. فهو لا يُنكرُ السنَّة النبويَّة، بل هو يعترضُ ويستشكِلُ على بعضِ الأحاديثِ التي وردتْ في كتبِ الصِحاح، والتي يرى أنّها لا يمكنُ أن تَصدرَ عن النبيِّ (ﷺ).

كلا.. هذا تسطيحٌ كبيرٌ وتفسيرٌ واهٍ لموقفِهِ من السنَّة النبويَّة والحديثِ الشريف. فهو ينكرُ السنَّةِ النبويّةِ (جميعِها)، بل يؤصّلُ لإنكارِها تأصيلاتٍ لا تَمُتُّ إلى الحقِّ بِصِلَة، ويستدلُّ على ذلك بأدلةٍ بعيدةٍ كلَّ البعدِ عن المنطقِ وأصولِ الاستدلال. ولكنَّه يوهِمُ السُذَّجَ بأنَّه يؤمنُ بالسنَّةِ وهو إنَّما يضعُ شروطاً جديدةً لقبولِها فقط!

وسترونَ ذلكَ واضحاً في طياتِ كلامِهِ وبيانِنا لِما دوَّنَهُ ووقعَ فيه في ضلالٍ كبير. منها على سبيل المثال تشكيكُه الدائمُ وعدمُ قبولِهِ بـ (الحديث) كل (الحديث) حتى (الصحيح) منه! ويعتبره ظناً، وما كان ظناً فليس بحق; فهو (باطل):

إذن، هو يقول إن الحديث النبوي حتى لو كان صحيحاً فهو باطل، لأنه ظن وما كان ظناً فليس بحق، فهو باطل!

إذن، لم أتجنَّ عليه حين وضعتُه في زمرةِ النكارى، فهو الذي وضعَ نفسَه معهم، بل داعياً ومنظراً لأفكارهم وعقائدهم الفاسدة.

ولعلَّ أبرزَ دليلٍ واقعيٍّ ملموسٍ على نكرانِه للسنّةِ هو انحرافُ أبرزُ تابعيه وأقربَهم إليه والذي يُعَدُّ النسخةَ العملية والتطبيقية لِما يُنَظِّرُ له، وهذا الرجلُ لا يُخفي إنكارَه لها بل وينشرُهُ في صفحاتِهِ على الفيسبوك وغيرِه، بل يدعو الناسَ عَلَناً وفي كلِّ مجلسٍ إلى (الأخذ بالقرآن فقط) و(ترك السنة) مستشهداً ومستدلاً لهم بكتاب (الشيخ) (الحديثيون).

وفي هذه الردود لم أكتفِ بالردِّ على الشُبهَةِ التي ذكرَها (الشيخ) في كتابِه فقط، بل قدَّمتُ لها مقدمةً طويلةً بعضَ الشيء، وتوسعتُ قليلاً في ذكرِ الأدلةِ وشرحِها لتثبيتِ المعلومةِ في ذهنِ القارئ ولكي يزولَ كلُّ أثرٍ لتلك الشُبهَة ومثيلاتها.

ولعلَّ هذا هو الأغربُ والأعجبُ، أن يقوم تلميذه الذي تتلمذ على يديه ورافقه طيلةَ ما يقاربُ خمساً وعشرين عاماً بالردِّ عليه بخُلاصةِ ما حَصَلَ عليه منه من علومٍ رافقَها إيمانٌ وتقوى وجهادٌ طويلٌ وغَيرةٌ على دينِ الله! ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله تعالى.

وقد رأيت أن من واجبي نحوه، أن أردَّ له بعض أفضاله عليّ، وأشكرَه على كل ما تعلمتُه على يديه، وأن أوجّه له ردوداً ونصائح (قد يراها قاسية جداً بحروفها وكلماتها، لأن ما حفرته في الصدرِ أعمق وأقسى) لعلّه يستفيد منها فيرجع إلى جادة الحق والصواب، ويدعَ كلَّ ما أدخلَه الشيطانُ على قلبه من الافتراءاتِ والبدعِ والضلالات التي قد لا يراها هو بعينِ نفسِه لكنّها واضحة بيّنة لكل صاحبِ بصيرةٍ ولكل من هداه الله لدينِه الحق.

وكلّي أمل أن تصله هذه الردود فيقرأها بعين الباحث عن الحق، المتبع للحكمة، المتقبل للنصيحة، المتواضع الخالع لكل أقنعة الغرور والكبرياء الفارغة، وعندها سيجد أن هذا الكتاب قد وهبه أغلى ما يوهب، وأنجاه من أشد وأخطر ما ينجو المرء منه.

وسيكون شاكراً لله على نعمة تذكيره على يد من كان يتشرف بالتتلمذ على يديه لكنه رأى أسوء ما يمكن أن يراه في شيخه الذي يحبُّه أشدَّ الحب، فقدّمَ نصيحتَه القاسيةَ له كدواءٍ مرٍّ شديدِ المرارةِ لكنَّ الشفاءَ – كلَّ الشفاء – به بإذن الله تعالى.

 

وأخيراً لا بد من ذكر الحكمة البالغة التي تعدل وتساوي الدنيا كلها:

 

اجعل قلبك متعلقاً بالله وحده، ولا تعلقه بأحدٍ من البشر..

 

فالإنسان معرضٌ لكل أنواع الفتن والمحن، قد ينجو منها، وقد يغرق فيها.. فإذا تبعته في كل شيء فإنك قد تنجو إذا نجا، ولكنك ستهلك إذا هلك، والعياذ بالله..

وهذه هي أفضل وأهم وأغلى حكمة ونصيحة أوجهها لنفسي ولأبنائي ولأحبتي، ودليلي هو ما رأيته قد حصل لشيخي (د. طه حامد الدليمي) أصلحه الله.

وأنقل لكم هنا كلاماً قديماً دوَّنَه في كتابه (مواقيت الصلاة)([6]) – الذي كتبه سابقاً حين كان مستقيماً على منهج الحق سبحانه – يبين فيه دور السنَّة النبوية في فهم القرآن الكريم، أذكره هنا  لتقارنوه بما وصل إليه في كتابه الأخير من انحراف خطير في العقيدة يصل إلى حد الكفر بالله تعالى والردة عن الدين، فمنكر المعلوم من الدين بالضرورة كافر بإجماع الأمة، والمسلم إذا كفر بعد إسلامه فقد ارتد..

ولا حول ولا قوة إلا بالله..

فسبحان مقلب القلوب الذي جعله ينكر سنَّة نبيِّه تماماً بعد سنين طويلة من الدعوة والجهاد ويؤصل لهذا الإنكار تأصيلات باطلة واهية، ويقول: لقد كنا على خطأ! وقد نقل كلامه هذا لي مؤخراً أحد المقربين منه:

ولا أدري كيف سينجو من عقاب الآخرة بعد أن كان يدعو الناس طيلة أربعين سنةٍ لدين يراه اليوم باطلاً و(خاطئاً)؟

وكيف سينجو من عقاب الدنيا؟

أليس من حق كل من كان قد آمن بعقيدته وسارَ معه وناصرَه ودعا بدعوتِه واتَّبع توجيهاتِهِ واتخذه قائداً وموجِّهاً فكان يقودُه ويدفعُه ويحرضُه فيتعرضُ لكلِّ الأذى والتعذيب والإهانة والتهجير، أليس من حقه أن يحاسبه على كل هذا؟

هل أرواحُ الناسِ وأموالِهم وأعراضِهم لعبةً سخيفةً هيّنةً عندكَ إلى هذه الدرجة؟!

هل من السهولةِ أن تقولَ للناسِ الذي ضحّوا معك بكلِّ غالٍ ونفيسٍ، وجاهدوا معك بأموالِهم وأنفسِهم، وتركوا أهليهم وأرضَهم وأحباءَهم وهاجروا، هل من السهولة أن تقول لهؤلاء – وبلا أدنى خجلٍ أو حياءٍ أو خوفٍ أو ترددٍ -: والله اعذرونا لقد كنا على خطأ؟!!!ّ

 وماذا تقول لمن ماتَ شهيداً منهم في سبيل هذه الدعوة (الباطلة) عندك؟

ولمَ سُجِنً وعُذِّب وقُتِل أهله؟

وماذا تقول لمن اغتُصِبَتْ زوجتُه أو اٍبنتُه أو اختُه أو أمُّه أمامَ عينيه؟

هل يكفيَهم أن تقولَ لهم: والله اعذرونا لقد كنا على خطأ؟!!!

ومع كل هذا فنحن ما زلنا ندعو لك بهذا الدعاء وغيره:

نسأل اللهَ تعالى أن يردَّه إلى دينِه رداً جميلا، وأن يريَه الحقَّ حقاً ويوفقَه لاتباعِهِ، ويريَه الباطلَ باطلاً ويوفقَه لاجتنابه.

اللهم لك الحمد أن عافيتنا مما ابتليتَه به، وفضّلتَنا على كثيرٍ ممن خلقتَ تفضيلا.

اللهم يا مقلبَ القلوبِ ثبّتْ قلوبَنا على دينك.

اللهم إن أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبضنا إليكَ غيرَ مفتونين.

اللهم آمين.

>< >< ><

بينَ يَدَيْ هذا الكتاب

كنتُ قبلَ حوالي سنة قد سمعتُ من أحدِ المقربين من (الشيخ)، بل هو أقربُهم إليه أنّ لدى (الشيخ) كتاباً يكتبه حالياً وهذا عنوانه.

وهذا الشخصُ (المقرّبُ) جلستُ معه في بيتِ أحدِ الأصدقاءِ لمناظرةٍ استمرت حوالي ثلاث أو أربع ساعاتٍ في موضوعِ إنكارِه للسنّة النبوية، فوجدتُه (وهو دكتور في التفسير) يجهل أساسيات العلوم بشكلٍ كبير. فعِلْمُهُ بمصطلحِ الحديثِ يكادُ أن يكونَ معدوماً، وعلمُه شحيحٌ بقواعد اللغة العربية، وعلمُه صفرٌ تماماً بعلم المنطق ونظرية المعرفة!!

ولم يكنْ لديه إلا حججاً واهيةً وضعيفةً جداً، الجزءُ الأكبرُ منها مكذوبٌ، والباقي حفظَه حفظاً (ولم يفهمْه) من كتاب (الشيخ).

لذلك عزمتُ على تأليفِ كتابٍ يردُّ على الشُبَهِ الباطلةِ التي أثارها صاحبه، فطلبت من المُضيِّفِ الذي لديه تواصل مع (الشيخ) أن يرسلَ كتابه لي حال توفره لديه، ففعل جزاه الله كل خير..

ولم أشأ أن أضع للقارئ كل ما ورد في الكتاب ثم أرد عليه لسببين رئيسين:

  • لكيلا يتم الترويج لما ورد فيه من باطل.

  • خشية الإطالة، ولجعلِ هذا الردّ مختصراً قدر الإمكان.

ومع هذا أظنُّ أني – بالمقتطفات التي اقتبستها نصّاً كما هو من كتابه – جعلتُ فكرتَهُ ظاهرةً أمامَ القارئ الكريم، واضحةً، مفهومٌ مرادُ كاتبِها جيداً. ثم قمتُ بالردِّ عليها بشيءٍ من التفصيل لكي أجعلَ القارئَ على درايةٍ تامةٍ بمواطنِ الخلل فيها وعلى علمٍ وفهمٍ جيدٍ للردِ عليها.

قد أكون قاسياً ومباشراً وشديداً في بعض المواضع، وذلك للأسباب التالية:

  • (الشيخ) قريب من قلبي كثيراً، وأحبّه كثيراً، وكانت له مكانةُ الأب والشيخ والمربي بالنسبة لي، فيؤلمني كثيراً ما رأيته منه، كما يتألم أحدكم حين يرى ابنه أو أخاه أو أباه قد أصابه مرض عضال قد لا يرجى شفاؤه منه أبداً، فيتصرف بعصبية وغضب. ويلجأ إلى إعطائه أشد الأدوية مرارة أملاً في نجاته.

  • منكرو السنَّةِ هم أخطرُ مِلَّةٍ على الإسلامِ والمسلمين، وقد درستُ عقائدَهم وتاريخَهم وقرأتُ كتبَ متصدريهم، وحَضَرتُ حواراتِهم ومناظراتِهم، لذلك عرفتُ خطورةَ أمرِهم. والردُّ لا بدَّ أنْ يكونَ بمستوى الخطر.

  • علَّمَني (الشيخ) نفسُهُ من خلال ملازمتي الطويلةِ له أن أطرحَ الطرحَ الفكريَّ بقوةِ الحقِّ الذي فيه، وكانَ يسمّي هذا بـ (العلاج بالصدمة)، وهو فعلا من العلاجات الناجعة في مواجهة المخالفين.

  • لا يمكن ان يكونَ الردُّ هادئاً وأنت تقرأ استهزاءً وإنكاراً لسنّة النبيّ الكريم، وهي لا تمثل نصفَ الدينِ فقط، بل هي تبيّن وتطبقُ النصفَ الأول منه فلا يكتملُ الدين إلا بها.

  • من يتبنّى الشبهة ليس رجلاً عامياً جاهلاً، بل هو رجلٌ أعرفه بعلمه الواسع ومعرفته الدقيقة بالشبهةِ نفسِها ومدى ما فيها من باطل، ثم هو الذي يقوم بطرحها والالتفاف على القارئ التفافاً واضحاً مكشوفا. كالذي يختبئ منك ويعلمُ أنك تنظر إليه! فكيف لا أكون غاضباً وأنا أرى (قدوتي) بهذا المستوى الضحلِ من الانغماسِ في الباطل؟!

  • اعتمد (الشيخ) في كتابه اعتماداً كلياً على أمرين وافتراضين فيهما وهمٌ كبير:

  • افترضَ (الشيخ) أن القارئ الذي يخاطبُه جاهلٌ، ساذجٌ، ليس لديه علمٌ بكل ما يطرحُه. فكان يستهينُ بعقل القارئ كثيراً.

  • افترضَ (الشيخ) أنه ما زال مؤثراً في الناس بأسلوبه، حاسماً بحجته وأدلته السابقة حين كان على الحق، وهذا افتراض خاطئ تماماً، فالكل – إلا من بقي مُسلّماً عقلَهُ له تسليماً كاملاً دون أن يستعمل هذا العقل للنظر فيما يقولُه ويطرحُه – قد قلا هذا الطرحَ وهذا الأسلوب، وحين انطلقنا في عالم الانترنت وجدْنا الكثيرَ الكثيرَ ممن هم أعلمُ وأقوى حجة وأمرنُ لغةً ولساناً منه.

فسبحان الله تعالى كيف يقلب قلوب العباد كما قال تعالى:

وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) الأنعام

كما أخبر النبي الكريم (ﷺ):

(إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ.)([7])

  • كانت إثاراتُ (الشيخ) للعواطف عند المتلقين والمريدين شيئاً لا يصدق، وذلك حين كانت كلماتُه ينبعُ منها الصدقُ وتتلمّسُ فيها الإخلاصَ والغَيرة الحقيقية على دين الله، لا تمثيلاً يقوم بفعلِهِ أمامَك كما أراه اليوم، فاستخدامُه لمثيراتِ العواطفِ في كتابِهِ هذا هي مما يثيرُ السخريةَ أكثرَ مما يثيرُ الحماس، وقد حاولَ أكثر من مرةٍ ان يوقدَ جذوةَ حماسِ القارئِ ليَجذِبَه إلى صفِّهِ ولكنْ بلا أدنى جدوى، فأحزنني هذا منه كثيراً وأثار أسفي وحَنقي على من أوقعه فيه، وجعلَه يفقد الكثير الكثير من تألقِهِ وبريقِهِ السابق، وأخشى عليه أن يكون ممن شملته الآيات الكريمات في سورة الأعراف (175- 179).

ولكي أكون منصفاً في قصدي ونيتي معه، وحفظاً للكثير من ودي له وتاريخي معه، وعرفانا مني بجميل ما فعله معي في كل السنين الماضية، فأنا سأقوم بإرسال هذه الردود له لكي يطلع عليها أولاً قبل ان أقوم بنشرها، لكي يرسل لي ردّه على ما كتبتُه. وسأنتظر لمدة أسبوعين حتى يأتيني رده.

ولن أقوم بنشرها إلا بعد أن يمرّ الأسبوعان دونَ ردٍّ منه.([8])

وبعد ذلك سأقوم بإذن الله تعالى بطبعِها ونشرِها على أوسعِ نطاق، تحذيراً للناسِ مما وردَ فيه..

لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) الأنفال

 

 

 

 

 

(أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا)

ذكرت لكم أنّ أحدَ الأحبّة أوصل لي كتابَ – أو مسوّدةَ – (الشيخ) طه حامد الدليمي الذي أطلق عليه عنوان (الحديثيون) بصيغة (pdf) وهو يحتوي على ثلاثة ملفات:

  • السنة .. معناها ، حجيتها

  • الموقف من الحديث

  • امران مهملان

وقبل الخوضِ في ردودي عليه، أسجلُ أموراً مهمةً خطيرةً جداً كان (الشيخ) سابقاً يذم أصحابَها ويحذّر منها، فإذا به نفسه يقع فيها:

  • (يعتقدون ثم يستدلون)

كان يقول عن الشيعة بأنهم (يعتقدون ثم يستدلون)، وهذا نصُّ كلامِهِ سابقاً:

(أهلُ الحقِّ يستدلون ثم يعتقدون، وأهلُ الباطلِ يعتقدون ثم يستدلون)

فكان الشيعة يخترعون عقائدَ من عند أنفسِهم ما أنزل الله بها من سلطانٍ (كالعصمة، والإمامة، والرجعة، والبداء، وغيرها من العقائد الباطلة) ثم يبحثون هنا وهناك ليجدوا لهم دليلاً محكماً في الكتاب والسنة يوافق ما اعتقدوه، فلم يجدوا (ولن يجدوا).

ثم صاروا يبحثون عن دليلٍ متشابهٍ قد يكون له وجهٌ قريبٌ، فإذا وجدوه لوّوا عنقَه ليوافق معتقدَهم، وإن لم يجدوا أي دليلٍ اخترعوا دليلاً مكذوباً صنعوه بأنفسهم!

أما (الشيخ) فقد شابَههم في ذلك، فاخترعَ (عقيدةً) تقول: (لا أصلَ من أصولِ الدينِ إلا ويجب أن يكون دليلُه قرآنياً حصراً، بل ويجبُ أن يكون محكماً غيرَ متشابه)!

فبحث على دليلٍ على هذه (العقيدة) في القرآن الكريم فلم يجدْ نصٍّاً واحداً محكماً يدل على ذلك!

ثم بحث في نصوصٍ متشابهةٍ فوجدَ بعضاً منها لو قام ببترِ أوّلها أو آخرِها أو بِليَِّ معانيها لوافقت ما اعتقده وأصّله. هذا حقيقةُ ما فعلَهُ ويفعلُهُ (الشيخ).

فنحن إذا نظرنا وتأملنا في أدلة الشرع نجدُ على العكس مما أصله (الشيخ)، فنصوصُ القرآنِ المحكمةُ الكثيرةُ تؤكد أن هنالك أصولاً في الدين قد أمرَنا الله تعالى بها وهي موجودة خارجَ الكتاب الكريم، أي في سنّة النبي الكريم (ﷺ)، فكم مِن آيةٍ محكمة أمرتنا باتباعِ وطاعةِ النبي محمدٍ (ﷺ) المطلقةِ بغير تحديدٍ ولا تقييدٍ سواء في الأصول أو في الفروع؟

وأكتفي بثلاثِ آياتٍ محكماتٍ – من بين الكثير – دليلاً على ما ذكرت:

  • الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) الأعراف

  • يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء

  • مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر

وفي هذه الآيات الكريمات لم يقل اللهُ تعالى أن حكمَ الرسولِ (ﷺ) مجالُهُ في الفروعِ فقط دون الأصول.

بل جعلَ الله تعالى تشريعَه (ﷺ) مثل تشريعِ الكتاب تماماً، فهو (يحلُّ) و(يحرِّمُ)، وهل التحليلُ والتحريمُ يكون في الفروع فقط؟ أم في الأصول؟ أم هو في الأصول والفروع جميعاً؟

وكما يُرَدُّ عند التنازع إلى الله تعالى (أي إلى كتابه) يُرد إلى رسولِهِ (ﷺ) (أي إلى سنته)، ولم يقل الله تعالى إن التنازع في الأصولِ ردُّوه إلى الله، أما التنازع في الفروع فردُّوه إلى الرسول!

ولم يَفصِل سبحانَه وتعالى الأصولَ عن الفروعِ في أمره لنا بالأخذ بكل (ما) آتانا الرسول، والانتهاء عن كل (ما) نهانا عنه، أصولاً وفروعاً.

  • (الطعنُ بالراوي طعنٌ بالمرويّ)

كان (الشيخ) يتهم الشيعة بأنهم يطعنون بالرواة (ابتداءً بالصحابة (رضي الله عنهم) فما دونهم) وغايتهم الطعن بالمرويّ (وهو الدين الإسلامي كله). وكان يقولُ سابقاً ما نصّه:

(الطعنُ بالراوي طعنٌ بالمرويّ)

وها هو يطعنُ بجميعِ رواةِ وحفظةِ ونقلةِ حديثِ رسولِ الله (ﷺ)، ابتداءً من الشيخين الجليلين الإمامين البخاريّ ومُسلم فنازلاً، ولا يمكنني أن أجزم أن نيتَه من هذا الطعنُ في الدينِ عموماً، فالنيةُ محلّها القلبُ ولا يعلمُ ما في الصدورِ إلا الله تعالى.

ولكني أقول لك: إن ما تفعله يا (شيخ) هو طعنٌ بالدين، وهو طريقٌ نحو الكفرِ والإلحاد.

(فمن أنكرَ ما هو معلومٌ من الدينِ بالضرورة كَفَر)

ولا يغرنكَ يا (شيخ) من هو قريب منك يصفقُ لك – دون أدنى علمٍ – على كل ما تقولُه وتفعلُه، فهذا لا يهمُّه سواء تنعّمتَ في الجنةِ أم أُُحرِقتَ في النار.

وأحذرك أن تفتِنَ الناسَ فيصيبُك الله تعالى بعذابٍ جهنم، وعذابُ الحريق:

إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) البروج

فما تفعله في كتابك هذا هو عين الفتنة!

  • (لا تدخلوا للدين من نافذة الشبهات)

كان دائما يقول: يجبُ ألا يكونَ الدخولُ لهذا الدينِ من نافذةِ الشبُهاتِ والشكوكِ والطعون، بل من بابِ الحق والبقين.

وها هو يدخلُ من النافذة مع وجودِ البابِ الواسعِ العريض، فينشرُ شبهاتٍ كثيرةٍ ويناقشُ أموراً هو بحاجة إلى زيادةِ دراسةٍ وشرحٍ وتوضيح لها. وهنا يجبُ أن يكونٍَ موقفُه ودورُه – كعالمٍ له وزنُه – التوقفَ حتى يتبينَ له الحقُ واضحاً جليّاً، وفي خلال هذه الفترةِ يذهبُ ليسأل أهلِ العلمِ وأهلِ الذكرِ حتى يصلَ إلى جوابٍ يقتنع فيه، وإن لم يصلْ إليه يبقى متوقفاً، وهذا أسلمُ وأزكى وأنجى له ولدينه، وأفضلُ لأتباعِهِ ومقلّديه ومُريديه.

قال تعالى:

فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) النحل، (7) الأنبياء

لكنه – للأسف الشديد – كذّبَ بما لم يُحِطْ بعلمِه، ونشرَ ضلالاتِه وتكذيباتِه وطعوناتِه على الملاً، كما قال تعالى:

بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) يونس

 

 

 

ليس كلُّ مستدلٍ بالقرآنِ الكريمِ هو على حق

كما بيَّنتُ – آنفاً – أنّ ليسَ كلُّ قائلٍ بالقرآن الكريم ومستدلٍ بآياته الكريمات هو هادٍ به. بل قد يكون ضالاً مُضِلاً أشرُّ ممن يتكلم بقوله هو أو يستدل بغيره من كتب الضلال!

فمن يقول لك: إن الله تعالى يقول (فويل للمصلين). هو كاذبٌ ضالّ مضلّ كافر أَشِر، وهو أعظم شراً وباطلاً من الذي يقول لك: لا تصلّ! وإن كان الأول يستدلُّ لك بآيةٍ من كتابِ الله تعالى على ما يريد من باطل، والثاني يستدلُّ بقولهِ هو من عندِ نفسه.

فلا يستخفنّكم كلُّ من يتكلمُ ويستدلُّ بكلامِ الله تعالى وآياتِه على باطلِهِ، فالباطل ليس في كلام الله بل بما نسبه هذا المضلّ إليه، وهو في حقيقتِه على عكسِ مرادِهِ سبحانه، كما بيّنا بوضوح في آية (فويل للمصلين). لأنه لو كان يريد الحق لأكمل قراءة الآيات التي بعدها، ولَجَمع كلَّ الآيات التي تتحدث عن الصلاة وأهميتها وفضائلها وعقوبة تاركها وعندها سيتبين له الحق واضحاً جلياً لا ريب فيه.

وهذا ما يسميه أهل العلم بـ (جمع الأدلة). فالباحثُ المنصفُ لا يكتفي بدليلٍ واحدٍ (سواء كان آيةً أو حديثاً) على أمرٍ معينٍ، بل يجبُ عليه أن يقومَ بجمعِ كلِّ الآياتِ وكلِّ الأحاديثِ التي تتحدثُ عن ذلك الأمرَ ثم بعد ذلك يقرِّرُ ويحكُم.

المصيبة الكبرى هنا هي أن ضعفَ الإيمانِ إذا اقترنَ بهوى النفس – وإنٍْ كانَ صاحبُهُ أعلمَ العلماء يجعلُ الإنسانَ يلقفُ الشبهةَ التي يجدُها بآيةٍ واحدةٍ أو آيتين متشابهتين (أي تحتملان أكثرَ من معنى) فيحملهما على معنى واحدٍ غير مقصودٍ ويطيرُ بهما فرحاً لأنه رآهما تتفقان – لا مع الحقِّ – بل مع هواه، ولا يكلفُ نفسَهُ البحثَ عن باقي الآياتِ الكريماتِ المحكماتِ الواضحاتِ الكثيراتِ التي يتوضحُ فيها المعنى كاملاً (لا ريبَ فيه) وتُفنِّدُ كلَّ شبهاتِهِ وتنسفُها من الأساس. ولربما عرفَها فأعرضَ عنها، وتلك هي الطامةُ الكبرى والعياذ بالله:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) السجدة

وسنفصّل – بإذن الله تعالى – شيئاً من ذلك في معرضِ ردودِنا على الشبهاتِ والضلالاتِ التي أوردها (الشيخ) طه الدليمي في (مسودة) كتابه (الحديثيون)، عسى الله تعالى أن ينفع بها من يقرأها.

وندعو الله تعالى أن تصلَ هذه الردود له فيقرأها بعينِ الباحثِ عن الحقيقة، القابلِ للنصيحة، فيتوب إلى الله تعالى مما كتبه ويراجع ويصحح، ولا يخسر أكثر من خمسين سنة من عمرهِ قضاها مدافعاً عن دين الله المتمثل في كتابه وسنة نبيه، وكان فيها من أقوى وأشجع وأشد المجاهدين الواقفين بوجه البدع والضلالات والانحرافات في دين الله في العراق وغيره. فكان أهل البدع يخشونه أشد الخشية ويهابونه أشد الهيبة!

ونسأل الله تعالى له ألا يكون ممن شملته الآية الكريمة:

وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) الفرقان

وإن رأيتم أن فيما كتبته أدناه الكثيرَ من القسوة، فإنما كانت كردِ فعلٍ لقسوة ما كَتب، وأحسبُها غضبةً لله ولرسولِه ولدينِه، فإن أحسنتُ فمما مَنَّ اللهُ تعالى عليَّ من فضلِه سبحانه، وإن أسأتُ فأسأل الله تعالى أن يغفر لي لما يعلمُ من حسنِ نيَّتي وقصدي وهو العالمُ سبحانه بما تُكنُّ الصدور.

وقد وضعت في نهاية هذا البحث نبذة من ملخص خمسٍ وعشرين عاماً قضيتُها معه، وحللتُ – بكل حيادية – الأسباب التي أراها قد أوصلته إلى كتابة كتابه هذا، والذي أراه أسوء كتبه على الإطلاق، لغته ركيكة، وألفاظه متهاوية، وأدلته ينقض بعضها بعضاً، يرفع حدة كلماته في مواضع لا تتناسب وما كتبه من استدلال باطل، يجعل لازم القول قولا فيحاكم النصوص إلى لوازمها لا إلى ما تنطق به. خالف في استدلالاته علوماً أساسية كعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلم المنطق وعلم التاريخ.

كما إنه لم ينفرد بفكرة ظن أنه متميزٌ ومنفردٌ بها، إنما اقتبس كثيراً من أفكار فرقٍ وأناسٍ سبقوه إلى هذا الضلال (كالخوارج، والمعتزلة، وبعض الفرق المنحرفة الأخرى، لا سيما أفكار شحرور والكيالي الذين وافقهما كثيراً على ضلالاتهما رغم أنهما لا يملكان أدنى أسس العلم والمعرفة) للأسف الشديد.

>< >< ><

هل السنّةُ وحيٌ من الله تعالى؟

هل أفعال وأقوال النبي الكريم (عليه الصلاة والسلام) هي وحيٌ من الله تعالى أم لا؟

للإجابة على هذا السؤال البسيط سنعرض بعض الآيات الكريمات، ونرى هل يوجد وحيٌ خارج القرآن الكريم أوحى الله به إلى النبي محمد (ﷺ) أم لا؟

  • قال تعالى:

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) التحريم

أين – في القرآن الكريم حصراً – نبّأ الله تعالى النبيَّ الكريم (ﷺ) بهذا الحديث الذي عرّف بعضَه وأعرض عن بعض؟

الجواب الأكيد: لا يوجد هذا الحديث في القرآن الكريم.

إذن، نبأه الله به بوحيٍ خارج القرآن الكريم.

  • قال تعالى:

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) البقرة

أين – في القرآن الكريم حصراً – جعل وأمر الله النبي الكريم (ﷺ) أن يتجه إلى القبلة التي كان عليها؟

الجواب الأكيد: لا يوجد في القرآن الكريم هذا الجعل (الأمر).

إذن جعلها الله له بوحيٍ خارج القرآن الكريم.

  • قال تعالى:

إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران

من الذي أخبر الرسول الكريم (ﷺ) بأن الله تعالى سيمدهم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنزَلين؟

كيف عرف هذا العدد من الملائكة بالضبط؟ ثلاثة آلاف، وخمسة آلاف؟

هل توجد آية في القرآن الكريم تبين أن الله تعالى أخبره بهذا؟

إذن، قد عَلِمَ الرسولُ الكريم بهذهِ المعلوماتِ عن طريقِ وحيٍ آخر غير القرآن الكريم.

  • ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) الإسراء

هنا تُثبت الآيةُ الكريمةُ أن الله تعالى أوحى (الحكمة) لرسوله الكريم.. و(الحكمة) هذه ليست هي القرآن الكريم، لأن الله تعالى قال في آية أخرى:

وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) الأحزاب

إذن (آيات الله) شيء، و(الحكمة) شيءٌ آخر غيرها.

وقال سبحانه في آية أخرى:

وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء

إذن (الكتاب) شيء، و(الحكمة) شيءٌ آخر غير الكتاب. وكلاهما أنزلهما الله تعالى على رسوله الكريم (عليه الصلاة والسلام).

وهذا يدل قطعاً على أن الله تعالى قد أوحى لنبيه (عليه الصلاة والسلام) وحياً غير القرآن الكريم وهو (الحكمة) والتي نسمِّيها (السنّة).

وهنالك أدلةٌ كثيرة من آيات الله تعالى تدل على أن السنة النبوية وحي من الله تعالى أوحاه لنبيه (ﷺ) خارج القرآن الكريم.

وكان (ﷺ) يقولُ ما يقولُ، ويفعلُ ما يفعلُ بأمرٍ من الله تعالى، يحدِّثُ عن الغيبيات مثلاً، ويخبرُ عن أهوال يوم القيامة، وأحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، وعن علامات الساعة، وعن الفتن التي ستمرُّ بها الأمةُ من بعده.

ويخبر (ﷺ) أصحابه أن فلاناً في الجنة، وفلاناً في النار.

وكذلك يأمر (ﷺ) ٍالناس بالصلاة كما يصليها هو، وبالصيام كما يصوم هو، ويعطي أحكاماً لهما وللزكاة وللحج، ويأمرُ بعدمِ مخالفتِه في كل ذلك، ويخبرُ عن الأعمال التي تدخل الناس الجنة، والأعمال التي تدخل الناس النار.. كل ذلك وغيره هو مما أوحاه الله إليه وأُمِرَ بتبليغه للناس أجمعين، وكل ذلك ليس موجوداً في القرآن الكريم.

فهل كان محمدٌ (ﷺ) كاذباً – حاشاه – في كل ذلك؟ أم كان يجتهد بتشريعاتٍ من عنده بدون أن يأذن الله له به؟

أم كان يتقوَّل على الله تعالى ما لم يقل؟ وهذه قد نفاها الله تعالى بنفسه عنه (ﷺ)، فقد قال سبحانه:

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) الحاقة

وأما من يشرِّع تشريعاً بغير إذنٍ من الله تعالى، فقد سماه تعالى شريكاً له وأعد له عذاباً أليما:

أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى

لذلك فالرسول الكريم لم يتقوّل على الله تعالى أو يشرّع شيئاً من خارج القرآن الكريم وينسبه إلى الله جل جلاله، إلا ما كان حقاً وبوحيٍ منه سبحانه لا من عند نفسه (ﷺ).

وإذا لم يكن الأمر كذلك لَما أمرنا الله تعالى في آياتٍ كثيراتٍ بطاعتهِ (ﷺ) في كلِّ أمرٍ واتباعِ أوامره والتحذيرِ من مخالفته، ولم يحصر سبحانه هذه الطاعة وهذا الاتباع بما أنزل عليه من الكتاب فقط.

وهذا كله، وغيره كثير، – أعرضت عنه خشية الإطالة – يثبتُ أن السنة النبوية هي وحيٌ آخر خارج القرآن الكريم..

وما كان وحياً من الله تعالى فهو محفوظ بحفظ الله تعالى له، ويشمله لفظ (الذكر) في الآية الكريمة:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر

 

 

 

 

 

 

أسئلة مهمة جداً للنكارى

النكارى يقولون إن القرآن الكريم وحيٌ محفوظٌ من الله تعالى، والسنَّة النبوية ليست كذلك..

  • إن كان الأمر كذلك فلماذا أحالنا الله تعالى في آياتٍ محكمةٍ كثيرةٍ إلى السنَّةِ النبويةِ إن لم تكنْ وحياً محفوظاً؟

هل يريد الله تعالى – حاشاه – أن يحيلَنا إلى الضلالِ والباطلِ والوهمِ والخرصِ والنقص؟!

أجيبوا أيها الفطاحل؟ أليسَ فيكم رجلٌ رشيد؟

أليس الجوابُ الصحيحُ الصريحُ هو أنه سبحانه قد أوحى لنبيّه وحياً خارجَ القرآن الكريم، وتعهدَ بحفظه كما حفظ القرآن الكريم.. وأحالنا إليه. وهذا هو الحق الذي لا غبار عليه.

سؤالٌ آخر لكم، قال سبحانه:

…فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) (النساء) من الآية 59

قد علمنا جميعنا كيف نردُّه إلى الله؟ أي إلى كتابه..

  • طيب، كيف نردُّه إلى الرسول؟ هل معناه: نردُّه إلى كتابِ الله أيضاً؟

أليس فيكم أيها النكارى رجلٌ لديه في رأسه ذرة خردل من عقل؟

 وقد قال سبحانه:

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.. (الحشر) من الآية 7

وقال سبحانه:

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) النساء

وقد أكّد هذا وبيّنه سيدُنا رسول الله (ﷺ) بقوله:

(يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يُحدَّث بحديثي، فيقول: بيننا وبينَكم كتابُ الله، فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه، ألا وإنّ ما حرّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرمَ الله)([9]).

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) الأنعام

وبهذا البيان تمت كلمة الله تعالى.. وتم حفظُ الدينِ الإسلاميِّ كلِّه بكتابِه وسنَّتِه أي (باللفظ والمعنى). وصدق الله تعالى حين قال سبحانه:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر

 

الملف الأول (السنة .. معناها .. حجيتها)([10])

كلمةُ حقٍ أُريدَ بها باطل

ربطَ (الشيخ) بين سؤالنا (الهداية إلى الصراط المستقيم) وبين (الكتاب) ربطاً أقل ما يقال فيه إنه (كلمة حق يراد بها باطل).

فهو أراد أن ينكر دورَ الرسولِ الكريم (ﷺ) الذي أمر الله تعالى في آيات عديدة بطاعته واتباع سنّتَه وأهمية اتباعه للوصول إلى (الهداية) وإلى (الصراط المستقيم)، وللتغطية على هذا قام بذكر آياتٍ تبيّن أهمية القرآن الكريم وما فيه من إعجاز وأن الله تعالى تحدى به الكفار والمشركين، وأنه واجب الاتباع للوصول إلى الهداية إلى الصراط المستقيم.

ونقول ابتداءً إنها (كلمة حق) فهذا القرآن لا شك قد أنزله الله تعالى لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق الحق.

وكما قلنا إنه كتاب هداية وشفاء للمؤمنين، كما إنه كتاب ضلال وعمى للفاسدين الفاسقين.

هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى (44) فصلت

القرآن الكريم، هو هو نفسه قد يستعمله العلماء الضالون الذين في قلوبهم زيغ ليضلوا به الناس. كيف ذلك؟ بأن يقتصر على متشابه القرآن بمعزل عن محكمه، وقد قال تعالى:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ (7) آل عمران

وهذه الآية الكريمة تثبت أن من القرآن آيات (مُتَشَابِهَاتٌ) أي (ظنيات) الدلالة على المراد، إن اتبعناها فإننا سنكون قد ابتغينا الفتنة!

إذن ليس كل من يتكلم بالقرآن الكريم هو على حق، وقد عرفنا أن كل الفرق الضالة قديماً وحديثا قد استدلت على باطلها بآيات من القرآن الكريم!

(ومن أمثلة ذلك: استشهاد الخوارج على إبطال التحكيم بقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) الأنعام: 57

واستدل المرجئة بقوله تعالى (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) النور .22 فكانوا يقترفون أنواع الذنوب والمعاصي الظاهرة والباطنة، ويتجاهلون النصوص التي جاءت بالوعيد للفاجر والعاصي إن لم يتب.

والآية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (11) الشورى، أساس واضح في إثبات الصفات لله، ففي قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) رد على المشبهة الذين يعتقدون أن الله مثل خلقه، ولا يفرقون بين الخالق والمخلوق، وهو مذهب باطل، وفي قوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) رد على مذهب المعطلة الذين غلوا في التنزيه حتى نفوا عن الله ما أثبته من الأسماء والصفات، فراراً من التشبيه بزعمهم، فكل طائفة عملت بشطر من هذه الآية وضيعت الشطر الآخر.)([11])

ومن أراد التأكد فليراجع أدلة تلك الفرق المنحرفة وطريقة استدلالهم بآيات القرآن الكريم على باطلهم وانحرافاتهم!

إذن فهذا هو (الحق) في كلام (الشيخ).. أن القرآن الكريم هو كتاب الهداية وأنه الموصل للصراط المستقيم.

أما (الباطل) الذي أراده (الشيخ) من وراء هذا الحق فهو أنه قصر الهداية للصراط المستقيم على (الكتاب)([12]) وحصرها فيه فقط لا غيره، مع إن الله تعالى في هذا (الكتاب) الكريم قد قال لنا أن هنالك هداية توجد خارجه، وذلك بقوله سبحانه في آيات كثيرة منها:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور

وقوله:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى

 لذلك أمرنا سبحانه باتباع سنة النبي الكريم (ﷺ) إن أردنا (الهداية) وابتغينا السير على (الصراط المستقيم).

فـ (الشيخ) هنا يقوم بإلغاء دوره (عليه الصلاة والسلام) تماماً في شرح كتاب الله وتبيينه وتوضيحه وتفصيله وتنفيذ ما فيه من أوامر ونواه، وكل هذا هو حقيقة الهداية إلى الصراط المستقيم. والتي ذكرها الله تعالى في آيات كثيرة عديدة محكمة من كتابه العزيز.

أراد (الشيخ) الربط بين (اهدنا الصراط المستقيم) وبين (الكتاب) ليقول لنا إن (الكتاب) هو الطريق الوحيد والحصري للهداية إلى الصراط المستقيم، ولكن جميع الآيات التي ذكر (الشيخ) فيها (الكتاب) لم تذكر (الهداية إلى الصراط المستقيم) إطلاقاً.. بل جاءت عامة تذكر فضائل القرآن الكريم وإعجازه دون الإشارة إلى ما ذكرت.

وهذا نوع من استغفال الناس وجرّهم عاطفياً إلى ما يريد، فالكل يعرف مكانة القرآن الكريم في نفوس المسلمين وتقديسهم وإجلالهم وتبجيلهم وتعظيمهم وإكبارهم وتوقيرهم له واتباعهم له ولآياته. وكل هذا التقديس للقرآن هو تقديس لله سبحانه وتعالى.

وهنا لا بد من أنبه إخوتي تنبيهاً مهماً جداً، وأكرره مرات ومرات، لا يستغفلنكم كل من يستدل بآيات من القرآن الكريم فتصدقون كل ما يقول، ولكن انظروا إلى ما يريد الوصول إلى وراء ذلك، فليس كلُ قائلٍ بالحق طالباً له.

 

 

 

 

 

 

 

 

(الهداية) وعلاقتها بـ (الصراط المستقيم)

وهنا انظروا للطريق الواضح الذي ذكره الله تعالى في محكم كتابه وبين فيه قوله (اهدنا الصراط المستقيم) هل هو ما ذكره (الشيخ)؟ أم ما سترونه الآن؟:

إن الصريح من الآيات التي جمع الله تعالى بها بين (الهداية) و(الصراط المستقيم) بشكل واضح لا لبس فيه فهي الآيات التي ذكر سبحانه فيها (طاعة واتباع النبي الكريم).

وقد ذكر الله تعالى طاعة واتباع نبيه الكريم على أنها هي عين الهداية الصراط المستقيم إما بصورة مفردة ومستقلة بذاتها، أو مشفوعة بطاعة الله تعالى واتباع كتابه. فمن كان يسأل الله تعالى الهداية للصراط المستقيم فسيأتيه الجواب الشافي في الآيات التالية:

  • … وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) (الشورى)

  • وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) الزخرف

  • وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء

  • وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الأنعام

ثم في سورة الفاتحة نفسها التي يستدل بها (الشيخ) على سؤالنا (الهداية) إلى (الصراط المستقيم) قال سبحانه موضحاً صراطه المستقيم بقوله:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (الفاتحة)

فمن هم هؤلاء الذين (أنعم الله عليهم) والذين أمرنا الله تعالى أن نسأله أن يهدينا صراطهم المستقيم لنسير على خطاهم ونقتفي آثارهم لنصل إلى ما وصلوا إليه؟

يأتي الجواب واضحاً مفصلاً في سورة النساء:

وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) النساء

ويتبين في الآيتين أعلاه ما يلي:

  • قد ذكر الله سبحانه وتعالى هنا (لهديناهم صراطاً مستقيماً) كما ذكر في سورة الفاتحة (اهدنا الصراط المستقيم) فهنالك إذن انسجام بين الآيتين الكريمتين.

  • وبيّن الله تعالى بعدها أن الذين (أنعم الله عليهم) هم (النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).. وبرفقة النبيّين عليهم الصلاة والسلام سيكون خيرُ الخلق بعد الأنبياء وهم صحابة رسول الله الذين اتبعوه وأطاعوه واستنّوا بسنّته وساروا على هديه ونهجه وطريقته حتى لقوا الله وهو عنهم راض. وهم الذين ذكرهم الله تعالى في آيات كثيرات تدل على صدقهم في إيمانهم وتحثنا على اتباعهم كقوله تعالى – على سبيل المثال لا الحصر:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة

  • لذلك وضع الله تعالى شرطاً أساسياً وحيداً لمن أراد أن يهديه الله الصراط المستقيم ويكون معهم وبرفقتهم وهو (طاعة الله تعالى واتباع كتابه) و (طاعة رسوله واتباع سنته).. فمن أطاع الله ولم يطع رسوله لن يكون برفقتهم لأنه لم يهتد إلى الصراط المستقيم الذي أراده الله تعالى!

وقد أمرنا سبحانه وتعالى بطاعة الله وطاعة رسوله في آيات كثيرات، وفي بعض تلك الآيات أمرنا بطاعة الرسول مستقلة بذاتها:

يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) الأحزاب

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) آل عمران

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42) النساء

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) الجن

وغير ذلك من الآيات الكثيرة الواضحة في طاعة واتباع الرسول الكريم (ﷺ)

  • وكما إن الله تعالى حصر (الصراط المستقيم) بعبادته سبحانه، فإنه أيضاً حصره باتباع الرسول الكريم (عليه أفضل الصلاة والسلام) في آية محكمة أخرى، فقال تعالى في سورة الزخرف:

وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) الزخرف

  • وصراط الله تعالى هو نفسه صراط النبي، وقد جمع الله تعالى المعنيين بقوله على لسان نبيه الكريم:

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الأنعام

وقال تعالى: …وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) (الشورى)

إذن، فطاعة (الرسول) واتّباعه هما (الصراط المستقيم) وهما الشرطان الأساسيان لكي نكون من (الذين أنعم الله عليهم).

فمن أنكر سنة النبي الكريم (ﷺ) – وكذّب ولو حديثاً صحيحاً ثابتاً واحداً – لم ينل رضا الله تعالى ولن يكون على الصراط المستقيم. وهذا الأمر هو من المعلوم من الدين بالضرورة عند جميع المسلمين.

و(السنة) هي ما كان عليه النبي محمد بن عبد الله (ﷺ) وتشمل أفعاله وأقواله وأوامره ونواهيه وتشريعاته وتقريراته – والتي وصلت إلينا عن طريق النقل عن الصادقين العدول ابتداءً من الصحابة الكرام الذين زكاهم الله تعالى في آيات كثيرة ثم العدول الصادقين الضابطين من التابعين وتابعيهم حتى دونت في دواوين الحديث المشهورة (كصحيح البخاري) و(مسلم) وغيرهما.

وخلاصة القول:

إن (عبادة الله) قال الله تعالى عنها: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. (واتباع نبيه) قال الله تعالى عنه: هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، كلاهما ذكرهما الله تعالى في آيتين كريمتين في سورة واحدة هي سورة الزخرف:

إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) الزخرف

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) الزخرف

 

(لا ريبَ فيه).. الريبُ ريبان: ريبٌ في ثبوتِ اللفظ، وريبٌ في معناه

وللتعمية والتلبيس والخداع يستعمل (الشيخ) ما ذكره الله تعالى في وصفه لكتابه الكريم بأنه (لا ريب فيه) تمييزاً له عن غيره، ليوحي للقارئ أن السنة فيها ريب والقرآن لا ريب فيه..

وللتوضيح وبيان نلك التعمية وذلك الخداع نقول:

وصف الله تعالى كتابه الكريم (القرآن الكريم) بأنه كتاب (لا ريب فيه) أي لا شك في ثبوته ولا ظن في نسبته إلى الله تعالى.

وهنا قصد الله تعالى قطعية الثبوت، لا قطعية الدلالة، أي لا ريب ولا شك فيه أنه كله من عنده سبحانه لا من عند غيره، ولم يقصد بتاتاً أنه قطعي الدلالة ولا ظن ولا شك ولا ريب في بعض دلالاته ومعانيه.

والدليل على هذا أن هنالك الكثير من الآيات الكريمات في القرآن الكريم هي ظنيةً في الدلالة على المعنى وليست قطعية فلا يمكن أن توصف بـ (لا ريب فيها) من هذه الناحية، بل يجوز للمسلم أن يقول: أظن أن الله تعالى قد يكون أراد بهذه الآية كذا، وأشك أن معناها كذا. وهذا الأمر طبيعي جداً لأن تلك الآيات سماها الله تعالى بالمتشابهات، أي هي التي تحتمل أكثر من معنى، وليست (محكمات) لا تحتمل إلا معنى واحداً فقط لا ريب فيه!

قال تعالى:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ (7) آل عمران

>< >< ><

هل فهمنا الآن ما هو المقصود بقوله تعالى (لا ريب فيه)؟

وهل تبيّنا الزيغَ الذي يريد الزائغون المنحرفون أن يضعوك فيه؟!

إذن نستطيع أن نقول للذين يتبجحون ويقولون: إن السنة النبوية والأحاديث ظنية:

إذن، فالقرآن الكريم كذلك ظني!

تتهموننا باتباع الظني من السنة، ونحن كذلك نتهمكم باتباع الظني من القرآن.

فكما أن في السنة ما هو ظني الدلالة، ففي القرآن الكريم ما هو ظني الدلالة أيضاً.

وليس في هذا القول أيَ عيبٍ أو خلل، ولكنهم يُلبسون الحقَّ بالباطلِ ليصلوا إلى مبتغاهم في الطعن بالدين عموما بإنكار السنة النبوية مطلقا.

هم يريدون أن ينكروا سنَّةَ النبيِّ الكريم (ﷺ) ويَنفوا اتّباعَه ليطعنوا في الدين كله، فيعطلوا أحاديثَه وتبيانَه لآياتِ الله فيُبعدوه (عليه الصلاة والسلام) عن الحياةِ وعن الواقعِ بشبهة أن كلامه (ظني) وليس (لا ريب فيه) كالقرآن الكريم، وفي الوقت نفسه هم يستدلون بآية ليست قطعية الدلالة على ما يريدون، بل هي (ظنية) الدلالة لا تدل أبداً على ما يريدون!

فـنفي (الريب) الذي في الآية الكريمة (لا ريب فيه) هو في (الثبوت) وليس في (الدلالة)، وهم يجعلونه في (الثبوت) و(الدلالة).

وهذا تحريف خطير لكلام الله تعالى. أن تَنسبَ معنىً من عندك لكلام لله تعالى لا يقصده سبحانه أبداً. كقولك إن الله تعالى يقول: (فويل للمصلين) فتقول: أن الله تعالى توعد المصلين بالويل، وقال: (لا تقربوا الصلاة)!

أليس القول بهذا المعنى هو بترٌ وتحريفٌ لكلام الله تعالى وهو كفرٌ صريح؟

وهو التحريف نفسه الذي يريد أن يمررَه (الشيخ) بقوله: (إن الله تعالى يقول عن كتابه (لا ريب فيه) أي إنه ٍكلُّه قطعي وليسَ فيه ما هو ظني!)

ويخفي كلمة (الدلالة) بعد كلمتي (قطعي) و(ظني).

فهو يقوِّل الله تعالى ما لم يقل، وينسبُ له سبحانه معنى لم يقصده، وهذا هو الكفرُ بعينه أعاذنا الله تعالى منه.

 

 

 

 

 

 

 

 

مغالطات.. واستغفال

إن كلامَ الحق الذي يراد به الباطل، ولَبْسَ الحقِ بالباطل، والاستغفالَ، لا ينفك (الشيخ) عنه – للأسف الشديد – في معظم استدلالاته..

فهو في الخطوة الأولى يقدم لك سؤالاً (مغلوطاً): هل القرآن تامٌّ، أم هو ناقص؟ عند ذلك لا بد أن تجيبه بكل سرعة وحماس: (نعم.. أكيد.. إنه تامٌ كاملٌ لا نقصَ فيه).

ثم يُدخِلُ (الشيخ) في الخطوة الثانية ما يشاءُ من باطل يدسُّه ويبنيه على ما حصل عليه في الخطوة الأولى الباطلة، وما بني على باطل فهو باطل كما هو معروف لدى الجميع.

فيبدأ هنا بالقول بما أن القرآن تامٌ، إذن فهو لا يحتاج إلى السنّة النبويّة لإتمامه.. ووصَفَها بـ (ما وراء حكم الكتاب)، وقالَ وقطعَ بأن ما وراء حكم (الكتاب) – ويقصدُ به بكل تأكيدٍ حكمُ رسول الله (ﷺ) – هو ضلالٌ وظنٌ وخرصٌ ونقص! والعياذ بالله تعالى من قولٍ كهذا يُدخل الإنسان في الكفرِ والإلحاد عَلِمَ ذلك أم لم يعلم!

لا حول ولا قوة إلا بالله

أي استدلال سخيف هذا، وأي فهم سقيم، وأي جهل محض، وأي كفر صريح؟

نحن لا نقول بنقص القرآن الكريم وأن السنة النبوية جاءت لتُتِمّ هذا النقص!

هذا لعبٌ بالألفاظ – كما هي عادته في هذا الكتاب – وهذا لعبٌ بالعواطف والمشاعر للمسلمين. وبهذا يجرُّهم إلى ما يريد وهو ما نسميه بـ (الاستغفال).

نحن نقول قد أراد الله تعالى للسنة النبوية إن تكون شارحة ومبينة وموضحة ومفصلة للقرآن.

وإليك هذه الأمثلة البسيطة:

  • دستور كلِّ دولةٍ هو أعظم وأهم وثيقة قانونية في الدولة، ولذلك وضعوا له مئات اللوائح التفسيرية التي تشرح مواده للناس لكي يقوموا بتطبيقها خير تطبيق، فهل هذا يعني أن الدستور ناقص، وأكملتْ نقصَهُ اللوائح؟ لا يقولُ ذلك إلا مجنون! فالسنة النبوية من وظائفها أنها شارحة مبينة لما جاء في القرآن الكريم([13]):

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل

  • وكذلك الأستاذ في المدرسة يشرح الكتاب الدراسي للطلاب، فهل له ولكل المعلِّمين أن يقولوا لطلابهم: إن كل الكتبِ المدرسية ناقصة وغير تامة ونحن الذين أكملناها وأتممناها؟

  • إذا أرسلَ الملكُ رسالةً بيد رسوله لدولة ما تختلف لغتُها عن لغةِ الملك، وقال له: اتل عليهم رسالتي هذه بلغتِهم واشرحها لهم وبيّنها خيرَ بيان، هل نحن بهذا سنقول: إن رسالة الملك ناقصة وأتمها ذلك الرسول؟!

أم سنقول إنها كاملة تامة، وما فعله الرسول هو الترجمة والشرح والبيان؟!

(يعلّمُهُم الكتابَ)

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) آل عمران

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) الجمعة

تعليم الناس الكتاب هي إحدى وظائف النبي الكريم محمد بن عبد الله (عليه أفضل الصلاة والسلام)، والتعليم يقتضي منه الشرح والبيان وضرب الأمثلة والتوضيح بشتى الوسائل القولية والفعلية، وهذا ما نسميه أحٍد جوانب (السنة النبوية).

فالتعليم شيء وإتمام النقص شيء آخر، ولم يقل أحد من الناس، علماؤهم وعوامهم، قديمهم وحديثهم، عربيّهم وأعجميهم، على مر العصور أن من يعلم الناس كتاباً ما فهو يثبت لهم أن الكتاب ناقص وهو الذي أتمه!

هذا ضحك على الذقون ولبس للحق بالباطل.

قال تعالى:

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة

والله تعالى لم يكتف بأن يأمر رسوله الكريم بإبلاغ الرسالة وتبيينها ويأمر الناس بالأخذ بها، بل أمرهم سبحانه بأن يتبعوا ذلك الرسول وأن لا يخالفوا أمره، بل إنه نفى عنهم الإيمان به سبحانه إن لم يحكِّموا الرسولَ في كلِّ شيء، وألّا تكونَ لهم الخِيَرةُ إذا قضى الله ورسوله أمرا!

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) الأحزاب

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء

لا يؤمنون.. حتى يحكموك

أي لا إيمان لمن لم يرضَ بحكم الرسول الكريم (ﷺ)، بل ويسلم تسليما!

وتوعد الله سبحانه من يخالف عن أمر رسوله بأن تصيبه فتنة، أو يصيبه عذاب عظيم:

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور

 

ثم يلمح (الشيخ) بعدها (لضلال الأكثرية).. وكالعادة: حقٌّ يرادُ باطل، ولَبْسُ حقٍّ بباطل.. والعياذ بالله

هو لا يَقصِد بالـ (الأكثرية) هنا أهلَ الباطل من الكفار والمشركين وأصحابَ الديانات الباطلة في الأرض. كلا.. بل يَقصِدُ أهلَ الإسلام قاطبةً وهم أهل السنة والجماعة الذين آمنوا بالله تعالى واتبعوا رسوله.

ويَقصِدُ بهم أولَ ما يَقصِدُ صحابةَ رسول الله (رضي الله عنهم) من المهاجرين والأنصار، ثم الذين اتبعوهم بإحسان، وكذلك الذين جاؤوا من بعدهم واتبعوهم وأحبّوهم واستغفروا لهم (ولا أظن (الشيخ) من هؤلاء) وقد قال الله تعالى فيهم جميعاً:

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) الحشر

وقال تعالى فيهم، وفينا نحن (أتباعهم) أيضاً:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة

 فكأن (الشيخ) يقول لا تُطع هؤلاء فهم (الأكثرية الضالة) الذين حذّر الله تعالى من طاعتهم، وهم سيضلونك عن سبيل الله، لأنهم يتبعون (الظن)!

فهل تكذّب الله تعالى في كل من يتبع سنة النبي الكريم؟ لأنه (يتبع الظن)؟

ألم يأخذ الصحابة جميعهم بقول رسول الله وحديثه وإن نقله واحد منهم أو اثنين فقط؟ وهذا ما تسميه (ظناً)؟!!!

وقد حذر رسول الله منك وممن هم على شاكلتك، وأمر بجهادهم بكل الوسائل الممكنة، بل ونفى الإيمان عمن قعد عن جهادهم، فقال (ﷺ):

(ما مِن نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ في أُمَّةٍ قَبْلِي إلَّا كانَ له مِن أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ، وأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بسُنَّتِهِ ويَقْتَدُونَ بأَمْرِهِ، ثُمَّ إنَّها تَخْلُفُ مِن بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يقولونَ ما لا يَفْعَلُونَ، ويَفْعَلُونَ ما لا يُؤْمَرُونَ، فمَن جاهَدَهُمْ بيَدِهِ فَهو مُؤْمِنٌ، ومَن جاهَدَهُمْ بلِسانِهِ فَهو مُؤْمِنٌ، ومَن جاهَدَهُمْ بقَلْبِهِ فَهو مُؤْمِنٌ، وليسَ وراءَ ذلكَ مِنَ الإيمانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ). رواه مسلم

قضايا كبرى تم حلُّها بالسنَّة فقط

على مدى التأريخ، كانت الأمة الإسلامية تَحلُّ مشاكلها الكبرى وقضاياها العظمى بأحاديث صحيحة نُقلتْ عن النبي (ﷺ)، كما تحلُّها بآياتٍ قرآنية، وذلك ابتداءً من الساعة الأولى بعد وفاته (ﷺ).

  • خلافة الأمة بعد رسول الله (ﷺ):

ألم يُنهِ سيدُنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) الخلافَ الذي حدث بين المهاجرين والأنصار على خلافة رسول الله في سقيفة بني ساعدة (بحديث): (الأئمة من قريش)؟

وقد كان الأنصارُ (رضي الله عنهم) يَرونَ أنَّ لهم نصيباً في الأمر حتى سمعوا (الحديث) فقالوا: سمعنا وأطعنا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الأمور المهمة الخطيرة التي مرت بها الأمة وكادت تودي بها إلى تشتت وضياع قد تم حلُّها بـ (حديث نبوي) يتكون من ثلاث كلمات فقط (الأئمة من قريش)!

مَنْ مِن الصحابةِ الكرام رد كلام أبي بكر الصدّيق (رضي الله عنهم أجمعين) وقال له: هذا مضمونٌ خطيرٌ في الحديث الذي ذكرتَه لرسول الله(ﷺ)، ونحن لا نقبله منك لخطورة مضمونه!

فأين الشرط الأساسي الكبير الذي وضعه (الشيخ) لقبول الحديث الشريف (لاحظوا بأنه يتكلم عن الحديث الصحيح وليس الضعيف أو الموضوع)، وسماه (خطورة المضمون)([14])؟!

أي أننا يجب ألا نقبل التحاكم إلى الحديث النبوي في الأمور الخطيرة الكبيرة، وأيُّ أمرٍ أكبرُ من خلافةِ الأمةِ الإسلاميةِ وخوفِ تفرّقها؟!

  • قتال مانعي الزكاة:

أيُّ مضمونٍ أخطرُ من القتال بين المسلمين وغيرهم؟ أليس القتالُ (مضموناً خطيراً)؟

أم إن مضمونَ (الشيخِ) الخطيرَ متعلقٌ فقط بأحدِ الزناة الذي نالَ عقابَه في الدنيا ليتطهر به من ذنبه؟! ويستنكر على رسول الله (ﷺ) هذا الفعلَ وكأنه يقولُ له: (كيف تقتله بهذه الطريقةِ البشعة؟!)

(الشيخ) تملأه مشاعرُ العطفِ والحنانِ والشفقةِ عليه، ثم يَضيقُ صدرُهُ وتَحْمرُّ جَبهَتُهُ وتنتفخُ أوداجُهُ غضباً من حكمِ اللهِ ورسولِهِ فيه؟! وأصدرَ قانونَه السخيف: لا استشهادَ ولا استدلالَ بالسنَّة النبويَّة وبالحديثِ الشريفِ الذي يحتوي على مضمون خطير!

 ولنرَ أولَ الناس إسلاماً بعد رسول الله، و(ثاني اثنين إذ هما في الغار)، وأفضل الناس بعد الأنبياء، سيدنا أبا بكر الصديق (رضي الله عنه)، هل أتى بآية قرآنية على أمره بقتال مانعي الزكاة؟ أم إنه أتى بحديث واحد لنبي الأمة (ﷺ)، وما أن تلاه عليهم حتى قالوا جميعا: سمعنا وأطعنا.. فسارت الجيوش الإسلامية لساحات الحرب ولم يعترض أحد منهم أبداًَ.

فقط قال لهم: سمعتُ رسول الله (ﷺ) يقول:

(أُمرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله تعالى)

وقال: الزكاةُ حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، فوافقه في ذلك الصحابة أجمعين؟

  • حروب الردة:

وأمرٌ آخر، (مضمونٌ خطيرٌ) فعله أيضاً الصدّيق (رضي الله عنه) وهو قتاله للمرتدين، وذلك بحديث واحد أو حديثين سمعهما من رسول الله (ﷺ) وليس بآية قرآنية واحدة:

حديث: (من بدل دينه فاقتلوه)

وحديث: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ)؟

  • قضية فدك:

وكيف استطاع سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عته) أن يحلَّ الخلاف مع فاطمة (رضي الله عنها) حول موضوع أرض فدك (بحديث واحد): (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)؟

وفي أفعال رسول الله (ﷺ) والصحابة الكرام من بعده ما لا يحصى من الأدلة على الاحتكام للحديث النبوي والسنة النبوية إما استقلالاً بالتشريع، أو بمعيةِ آياتِ اللهِ الكريمات.

 وكيف لعاقلٍ أن يقولَ إن الحُكمَ والدولةَ والقضاءَ والمعاهداتِ والحروبَ الإسلاميةَ وغيرها من الأمور العظمى لم تقم على المبدأين والمنهجين العظيمين والذين هما (كتاب الله) و(سنة نبيه)؟

وهو أمرٌ لا ينكره إلا جاحدٌ أو جاهلٌ أو معاند.

أيهما أولى: حفظ اللفظ؟ أم حفظ المعنى؟

إن الله تعالى لم يتعهدْ بحفظِ كتبهِ السابقةِ عن التحريفِ والتبديل، لا في كلماتِها وألفاظِها، ولا بمعانيها ومقاصدِها.

أما كتابه الخالد (القرآن الكريم) فقد تعهد ربنا سبحانه بنفسه بحفظه. حفظ اللفظ وحفظ المعنى.

فلا معنى لحفظ الألفاظ والكلمات دون حفظ المعاني والمقاصد.

وهذا ما ذكره سبحانه وتعالى في آيات كثيرة يذم بها بني إسرائيل لتغييرِهم وتحريفِهم ألفاظَ ومعانيَ كلامِ الله المنزلِ إليهم، ووصَفَهم بعبارةِ (يحرفون كلام الله):

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة

والتحريف نوعان: تحريف اللفظ، وتحريف المعنى مع ثبات اللفظ. وقد ذكر الله تعالى النوعين بقوله سبحانه([15]):

يحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ (41) المائدة

مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (46) النساء، و(13) المائدة

أما خاتم الكتب الذي أنزله الله على خاتم الأنبياء والمرسلين فقد قال الله تعالى عنه:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر

ولا أدري كيف لرجلٍ عاقلٍ أن يقولَ إنَّ الحفظَ المذكورَ في هذه الآيةِ الكريمةِ هو حفظٌ للنصِّ فقط دون المعنى؟! كما قال المنحرِفُ شحرور: (ثباتُ النصِّ وحركيةُ المحتوى)!

وهل المشكلة والخلاف في ثبوت ذلك اللفظ وحفظه ومنعه من التحريف؟ أم بثبوت معناه وما يراد منه؟

المشكلة الحقيقية في قطعية الدلالة وليست في قطعية الثبوت. فلا معنى لقطعية الثبوت إن لم يصاحبها قطعية الدلالة، فجميعنا يؤمن بقطعية ثبوت الكتاب الكريم، ولكن هل دلالات ومعاني ومقاصد آيات القرآن كلها تدل دلالة قطعية على المراد؟ أم فيها ما هو قطعي الدلالة وفيها ما هو ظني الدلالة؟

وكلامك عن (المنع من التحريف) هل معناه تحريف اللفظ ام تحريف المعنى؟

وقد قال الله تعالى عن اليهود: (يحرفون الكلم عن مواضعه)، قال ابن كثير: أي: يتأولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل.

ونقول هنا أيضا: لا معنى لحفظ اللفظ مع تحريف المعنى. بل إنّ حفظَ المعنى وإن اختلف اللفظ هو المقصود بكل تأكيد.

وهذا ما قامت عليه الحياة كلها، وقام عليه كل شيء، وقامت عليه الدنيا والآخرة كلها. وقام عليه كتاب الله تعالى وسنة نبيه. بل هذا ما قام عليه كلام البشر أجمعين، بل لا أبالغ حين أقول: بل حتى غير البشر من الحيوانات.. فالمعنى هو المراد والمقصود من صوت وحركة وتصرف وفعل حيوان معين، وهو المطلوب لفهم تصرفه والتعامل معه. وهو المهم، وليس المطلوب معرفة ثبوت ذلك وصدوره عنه!

>< >< ><

تدليسٌ غيرُ مغفورٍ

وهنا لا بد أن نقف وقفة طويلة بعض الشيء لبيان حجية الحديث النبوي الذي أشار إليه (الشيخ) بقوله:

 وهنا قد دلّسَ (الشيخ) تدليساً خفيفاً (غير مغفور له); فجمهور العلماء لم يقولوا بظنية ثبوت الحديث مطلقاً، بل حكموا على قسمٍ كبيرٍ من أقسامِ الحديث بأنه (قطعي الثبوت) وهو الحديث المتواتر (بقسميه اللفظي والمعنوي)..

أما (حديث الآحاد) الذي قالوا عنه إنه (ظني الثبوت) فهو يرتقي ايضاً ليصبح قطعياً عند تحقيقِه لشروطِ الصحة، وعندها يطلق عليه لفظ (الحديث الصحيح). أي أنه قطعي الصحةِ والثبوتِ عن النبي الكريم (ﷺ).

وقد ذم الله تعالى من لا يأخذ بحديث الآحاد، بل من لا يأخذ بحديث (الواحد) إن كان ناقله صادقاً:

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) القمر

ولزيادة التوضيح، فقد قسم علماء الحديثِ الحديثَ النبويَّ من حيث عدد رواته – لا من حيث صحته وضعفه، أو من حيث قبوله وعدم قبوله – إلى قسمين رئيسين:     1-المتواتر      2- الآحاد

والمتواتر تعريفه: (هو ما رواه جمع عن جمع عن جمع في كل طبقاته من بدايته إلى منتهاه تحيل العادة تواطأهم على الكذب ومنتهاه الحس). ويفيد العلم اليقيني القطعي بثبوت صدوره عن النبي الكريم (ﷺ). وينقسم المتواتر إلى قسمين رئيسيين:

  • المتواتر اللفظي 2- المتواتر المعنوي

المتواتر اللفظي: هو أن يروي جمع عن جمع حديثاً متشابهاً بلفظه نصاً، لا يُزاد فيه حرفٌ ولا يُنقص منه حرف، كحديث: (من كذب عليّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

والمتواتر المعنوي: وهو أن يروي الجمع حديثاً بالمعنى لا باللفظ، وقد ذكر العلماء العشرات بل المئات من الأحاديث المتواترة التي رويت بالمعنى المتطابق في كل الروايات. ويفيد هذا النوع أيضا العلم اليقيني بثبوت صدوره عن النبي الكريم (ﷺ). ومن أمثلة المتواتر المعنوي الأحاديث التالية:

(يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب)

(الأئمة من قريش)

(كل مسكر حرام)

(الولد للفراش، وللعاهر الحجر)

(قصة ماعز في الزنا ورجمه)

وغيرها كثير جداً، وقد ذكر السيوطي في كتابه (قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) مئة وثلاثة عشر حديثاً متواتراً تواتراً معنوياً.

أما القسم الثاني من أقسام الحديث النبوي، فهو الآحاد. وقد يظن البعض أن كلمة (الآحاد) تعني (الواحد) وهذا خطأ فادح كبير. فحديث الآحاد قد يرويه جمع عن جمع عن جمع – كالمتواتر – إلا أنه يفقد شرط (الجمع) في إحدى طبقاته فقط فيرويه ثمانية رواة أو سبعة أو أقل، فلا يسمونه (متواتراً) بل (آحاداً)!

 

هل يقبلُ اللهُ تعالى العملَ بالظنِّ الراجح؟

يفيد حديثُ الآحادِ العلمَ (الظنيَّ الغالبَ والراجح)، وعبارةُ (الظنيِّ الغالبِ والراجحِ) يستغلُّ النكارى المغرضون جهلَ العوام بها لكي يمرروا أهدافَهم الدنيئةَ من خلالها، فيقلون لهم: انظروا لعلمائهم هم أنفسهم يقولون إن حديث الآحاد ليس قطعي الثبوت بل هو ظني، والله تعالى يقول: (إن الظن لا يغني من الحق شيئاً) وكما قال (الشيخ) ملبساً على العوام أن الظن هو الباطل!

وهذا كله كلام خاطئ لا أصل ولا حظ له من الصحة، بل كله تشويش وتشغيب وتلبيس وتدليس.

فالظن الراجح الغالب هو ما تقوم به كل مصالح البشر، ولا يمكن أن يعيش الناس وتكون هنالك حياة إلا بالأخذ به.

وقد دلت الآيات القرآنية الكثيرة على صحة الأخذ به، بل وجوب ذلك، كما ذكر الله تعالى أمثلة تقر به وتدل عليه وإن كان (ظنيا). كما سيأتي بيان ذلك بعد قليل.

  • ولفهم الموضوع فهما جيداً نبدأ بذكر الأدلة العقلية والمنطقية على قبول (الظن الراجح) ونبين كيف أننا حكمنا به في كل شي في حياتنا، في الدماء، وفي الأعراض، وفي الأموال، وفي كل ما يصلح الناس في دنياهم([16]):

  • إن حياة الإنسان وروحه هي أغلى ما يملكه في الدنيا، وكذلك في الآخرة. فإنك تعمل الصالحات في الدنيا لتنجو روحك يوم القيامة من العذاب.

إذا أردت إجراء عملية جراحية خطيرة لقلبك أو دماغك مثلاً فإنك ستبحث عن أفضل طبيب جراح ماهر مشهور في كل بقاع الأرض وذي خبرة طويلة بهذا المجال، وتتأكد بنفسك أن هذا الطبيب قد أجرى مئات بل آلاف العمليات الجراحية التي تشبه عمليتك ولم يفشل في عملية واحدة أبداً.

ولكن – مع كل هذه التأكيدات – أليس هنالك احتمالية عقلية ولو بنسبة قليلة جداً أن هذا الطبيب قد يخطئ في هذه العملية لسبب ما؟ أم إن الخطأ مستحيل؟

إذن أنت عملت (بالظن الغالب) في أهم وأغلى شيء عندك وهو روحك! وسلمتها لهذا الطبيب وفقاً (لظنك الراجح) أو الغالب واطمأننت له وليس لليقين القطعي الجازم.

ونحن كذلك نأخذ بالحديث النبوي الشريف – بظننا الغالب والراجح – بعد أن نتقصى ونتحرى أفضل وأدق وأصح الأسانيد الموصلة لرسول الله (ﷺ).

  • عندما تنوي السفر إلى دولة ما ألست تختار أفضل شركة طيران؟ وتتحرى عنها وعن سلامة وأمان طياراتها وخبرة طياريها، فإذا وصلت إلى درجة (الظن الغالب) أنها هي الأفضل فإنك ستحجز تذكرتك على إحدى طائراتها.

ولم يمنعك (ظنك الغالب) واحتمالية حدوث مشكلة لديها أو خطأ ما من أن تركب طائراتها وتطمئن إليها مع عدم وجود الدليل القطعي اليقيني الجازم.

ونحن كذلك نأخذ بالحديث النبوي الشريف – بظننا الغالب والراجح – بعد أن نتقصى ونتحرى أفضل وأدق وأصح الأسانيد الموصلة لرسول الله (ﷺ).

  • هل تقسم بالله تعالى على إنك ابن أبيك؟

أكيد ويقينا ستقسم، مع إنك لم نعمل اختبارDNA وليس لديك أي دليل على ذلك. وحتى لو عملت اختبارDNA فإن هنالك احتمالية أن تكون النتائج خاطئة، أو يكون صاحب المختبر مرتشٍ.

ومع وجود هذه الاحتمالية و(الظن الغالب) اطمأننت للحكم مع عدم وجود الدليلي القطعي اليقيني الجازم.

وبهذا الحكم (الظني الراجح) يقضي كل قضاة العالم في كوكبنا هذا وينسبونك لأبيك ويورثونك ماله بعد وفاته.

ونحن كذلك نأخذ بالحديث النبوي الشريف – بظننا الغالب والراجح – بعد أن نتقصى ونتحرى أفضل وأدق وأصح الأسانيد الموصلة لرسول الله (ﷺ).

  • هل تقسم بالله تعالى على أن أمك أعف الناس؟

هل هنالك احتمالية عقلية الا تكون كذلك، أليس كذلك؟ ولكنك حكمت هذا الحكم (بظنك الراجح) واطمأننت له وليس لليقين القطعي الجازم.

ونحن كذلك نأخذ بالحديث النبوي الشريف – بظننا الغالب والراجح – بعد أن نتقصى ونتحرى أفضل وأدق وأصح الأسانيد الموصلة لرسول الله (ﷺ).

  • إذا كلّمك من تثق به كلاماً منطقياً معقولاً وذا حجة؟ أليس كلامه هذا سيكون ملزماً لك؟

طبعاً وبكل تأكيد، مع إنه قد يطرأ عليه الخطأ أو السهو أو النسيان أو أي طارئ آخر وهو لا يدري.

إذن، أنت التزمت بالأخذ بكلام منطقي معقول ذي حجة واطمأننت له مع عدم وجود صفات (الدليل القطعي اليقيني الجازم) به، ومع احتمالية ورود الظن والاحتمال عليه.

فلا يوجد شيء في دنيا الناس يعملون به إلا (بالظن الغالب).

ونحن كذلك نأخذ بالحديث النبوي الشريف – بظننا الغالب والراجح – بعد أن نتقصى ونتحرى أفضل وأدق وأصح الأسانيد الموصلة لرسول الله (ﷺ).

  • حين تُطرق بابُ بيتك فتطلب من ابنك أن يذهب ليرى من الطارق، فيذهب ويرى ثم يأتي ويخبرك أن صديقك (جابر) هو الطارق.

هل ستصدق هذا الخبر عنه؟ أم إنك سترفضه رفضاً قاطعاً وتبقى جالساً في مكانك لأنه (خبر آحاد) وهو لا يفيد إلا (الظن) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً!

ويطرق الباب مرة أخرى، فتطلب من ابنك الثاني أن يذهب ليرى، فيأتي ويخبرك مثل ما أخبرك أخوه، فلا تصدقه لأنه (خبر آحاد) وهو لا يفيد إلا (الظن) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً!

ويطرق الباب مرة ثالثة ورابعة وعاشرة، وفي كل مرة تطلب من أحد أفراد عائلتك أن يذهب فيأتيك بالخبر فترفضه لأنه (خبر آحاد) وهو لا يفيد إلا (الظن) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً!

فمتى سوف يعود لك أحدٌ بالخبر اليقيني الجازم الذي تطمئن له؟ وأنت قد اشترطت عدم قبول خبر الآحاد لأن (خبر الآحاد) لا يفيد إلا (الظن) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً، ولا تقبل إلا الخبر المتواتر!

بل حتى لو ذهب عشرون أو مئة أو ألف من أفراد أسرتك وعشيرتك إلى الباب ورأوا الطارق وهو صديقك (جابر) نفسه ثم جاؤوك بالخبر فإنك لن تقبله منهم أيضاً، مع إن هذا الخبر يعتبر خبراً متواتراً!

أتدري لماذا؟

لأنك اشترطت شرطاً في هذا الخبر المتواتر لا يمكن تحقيقه أبداً وهو أن يكون تواتراً لفظياً وليس معنوياً!

يعني إذا قال الأول لك: جاء صديقك (جابر)

وقال الثاني: أتى صديقك (جابر)

وقال الثالث: رأيت بالباب (جابر)

وقال الرابع: في الباب (جابر) يسأل عنك

وقال الخامس: صديقك (جابر أبو مصطفى) في الباب – ومصطفى هو الأبن الأكبر لجابر

وقال السادس: أبو مصطفى هو من طرق الباب

وقال السابع: جارنا (أبو علي) – وعليٌّ هو الابن الأوسط لجابر

وقال الثامن: (أبو فاطمة) طرق الباب وسألني عنك – وفاطمة هي ابنة جابر

وقال التاسع: صاحب السيارة السوداء الذي تذهب معه إلى السوق دائما هو الذي في الباب

وقال العاشر: في الباب رجل طويل أسمر الوجه قال لي أخبر أباك أن صديقه (جابر) في الباب

وهكذا..

أنت لن تصدق كل هذه الأخبار مهما بلغت قوتها وصدقها ومهما بلغ عدد رواتها وصدقهم و(تواترهم)!

هذا ما يخص خبراً واحداً بسيطاً من ملايين – بل مليارات – الأخبار التي تقوم عليها حياتنا يوميا، كسؤالك لزوجتك: ماذا أعددت لنا على العشاء؟

فلن تصدق أي جواب منها لأنه بكل بساطة (خبر آحاد) وهو لا يفيد إلا (الظن) وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً!

أي سفاهة عقول هذه؟ واي سخافة قلوب لديكم؟ كيف تسير حياتكم بهذا المنهج الباطل؟!

وتلوموننا حين نأخذ بالحديث الذي يغلب صدقه على كذبه وقد وصل إلينا بواسطة الرواة الثقاة العدول بعد التحري التام عن أحوالهم وصفاتهم وضبطهم والبحث الدقيق في المتن ورده إن وجدت فيه عله خفية أو ظاهرة أو كان شاذاً!

من هو العاقل فينا؟ ومن هو المجنون؟

 

حجيةُ الأخذِ بأحاديثِ الآحاد

أما الأدلة الشرعية على حجية الأخذ بأحاديث الآحاد التي تفيد (الظن الراجح أو الغالب) فنقول ابتداءً:

  • بداية نكرر عليكم دليلنا من القرآن الكريم على الأخذ بحديث (الواحد) – فضلاً عن حديث الآحاد – إن كان ناقله صادقاً، فقد ذم الله قومَ ثمود لأنهم قالوا: كيف نتبع بشراً (واحداً)؟

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) القمر

  • لماذا لم ينبّه النبيُ الكريم (ﷺ) أمتَهُ بعدم العمل (بالظن الغالب) ولو بحديث واحد فقط؟!

مع إننا لدينا حالياً أكثر من (118 ألف) سندٍ نقلوا أكثرَ من (28 ألف) متنٍ عنه (ﷺ)، وفيها أحاديث كثيرة جداً تتكلمُ عن العقائد.

  • لماذا استحلَّ عشراتُ العشراتِ من الصحابةِ الكرام (رضي الله عنهم) لأنفسهم أن يرووا أحاديث النبي (ﷺ) لغيرهم (بالظن الغالب) ويعلّموا الناس كلّ ما يخصُّ دينَهم أصولاً وفروعاً؟!

  • ولماذا استحلَّ عشراتُ المئات من التابعين وتابعيهم لأنفسهم أن يرووا في أبواب الاعتقاد والأحكام وغيرها أحاديث (بالظن الغالب)؟!

هل تواطأ كل هؤلاء الناس على الباطل؟!

والله قد شهد للفئتين (فئة الصحابة الكرام، وفئة التابعين لهم بإحسان) بالجنة والرضوان منه.

فقال سبحانه:

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة

  • وهل تواطأ النبي الكريم (ﷺ) – حاشاه – مع كل هؤلاء على الكذب وإخفاء الحقيقة عن الناس ببطلان الأخذ بحديثه كله إلا المتواتر منه، والمتواتر اللفظي منه فقط لا غير!

  • بل هل كذب الله (جل وعلا) علينا وغشّنا (وأستغفر الله تعالى من هذا القول العظيم) حين أمرنا بالأخذ بما يقوله لنا النبي الكريم (ﷺ) ثم حين بحثنا لم نجد إلا حديثاً واحداً (أو نصفَ حديث) متواتراً تواتراً لفظياً فقط لا غير؟!

تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.

ومن الغريب العجيب الذي لم ينتبه له هؤلاء الحمقى المخرِّبون هو أن هذا الحديث الوحيد الذي من المفترض أنهم يؤمنون به جميعهم لأنه (متواتر تواتراً لفظياً) وهو حديث (من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) فهو يفضحهم بمسائل منها:

  • الحديث يثبت أمراً تشريعياً للنبي الكريم (عليه الصلاة والسلام) وهو جزاء وعقوبة الكذب عليه. ألم يقولوا إن النبي مبلغٌ فقط ليس له حق التشريع؟!

  • الحديث يثبت أمراً غيبياً لا يمكن أن يعلمه إلا نبي، وهو من يدخل النار من الناس. وهذا الأمر لم يذكره الله تعالى في كتابه الكريم، فإما أن يكون الرسول كاذباً (حاشاه)، وإما أن يكون صادقاً وهذا يثبت انه يوحى إليه وحيٌ خارج القرآن الكريم، أي أن السنة النبوية وحي من عند الله تعالى خارج القرآن الكريم.

  • الحديث يحذر الناس جميعاً تحذيراً شديداً جداً من عدم الكذب عليه (ﷺ)!

فهو يعطي الإشارة بالأخذ بغيره من الأحاديث التي وردت عنه (ﷺ) والتي ترون أن رواتها لم يكذبوا عليه لخوفهم من عذاب الله تعالى في نار جهنم. فالحديث يقول:

(من كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)

فهل تواطأ ملايين الناس، جيلاً بعد جيل، على الكذب عليه (ﷺ) مع علمهم اليقيني القاطع بصحة صدور هذا الحديث عنه (ﷺ) وإيمانهم به وفهمهم لمعناه؟!

أيّ دينٍ لديكم وأنتم تتهمون الله تعالى، وتتهمون نبيه الكريم (ﷺ)، وتتهمون جيل الصحابة وهم خير جيل زكّاه الله تعالى بنفسه في كتابه، وتتهمون خير القرون بعد الصحابة، بل تتهمون الأمة كلها بعلمائها وعوامها بالكذب والغش والتدليس؟!!

  • في قوله تعالى:

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)

قد أحل الله تعالى للـ (طائفة) أن تتفقه في دينها، ثم تنذر الناس، ثم تنقل الدين الذي تفقهت فيه للناس فروعاً وأصولاً، والطائفة كما بينها علماء الأمة كابن عباس وغيرهم هي: (الرجل فصاعداً)

وعن مجاهد بن جبر: (الرجل فصاعداً)

وعن سعيد بن جبير: (الرجلان فصاعداً)

وعن الليث بن سعد: (أربعة فصاعداً)

وعن قتادة بن دعامة: (ثلاثة فصاعداً)

وعن الزهري: (ثلاثة فصاعداً)

الإمام مالك: (أربعة فصاعداً)

الإمام الشافعي: (أربعة فصاعداً)

وهؤلاء (الاثنين أو الثلاثة أو الأربعة) لا يمتنع عقلا ولا عادة اجتماعهم على الكذب، ومع ذلك أحل الله لهم أن ينقلوا الدين أصولاً وفروعاً وينذروا قومهم.

  • في قوله تعالى:

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) الأحقاف

أنذروا قومهم، وهم (نفر)!

و(النفر) كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب (العين) هم: ثلاثة فصاعداً

وفي المعجم المحيط للفيروزآبادى: ثلاثة فصاعداً

وفي الفروق اللغوية لأبي علال العسكري: ثلاثة فصاعداً

وفي فروق ابن فارس: ثلاثة فصاعداً

وهؤلاء (الاثنين أو الثلاثة) لا يمتنع عقلا ولا عادة اجتماعهم على الكذب، ومع ذلك أحل الله لهم أن ينقلوا الدين أصولاً وفروعاً وينذروا قومهم.

  • في قصة مؤمن آل فرعون التي قصها الله تعالى علينا في الآيات الكريمات التالية:

  • وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) غافر

  • وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر

  • وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) يس

 نرى أنه سبحانه قد أثبت (خبر الواحد) بل رأينا فيها ان هذا (الواحد):

  • أخبرهم بعقيدة (أن الله يضل المسرفين) ونسب لله أنه يفعل ذلك: يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ

  • أخبرهم بعقيدة (أن الله عادل): وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ

  • أخبرهم بعقيدة (التوكل على الله وتفويض الأمور إليه سبحانه): وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ

  • أخبرهم بعقيدة (أن الله يطبع على قلوب المتكبرين الجبارين) ونسب لله أنه يفعل ذلك: يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ

  • أخبرهم بعقيدة (أن الله لا يهدي المسرفين الكذابين) ونسب لله أنه يفعل ذلك: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ

  • أخبرهم بعقيدة (أن الله عزيز): وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ

  • أخبرهم بعقيدة الإيمان باليوم الآخر (يوم القيامة): وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ – وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

  • أخبرهم بعقيدة (أن الله بصير): إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ

  • أخبرهم بعقيدة (ان الله غفار): وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ

  • أخبرهم بعقيدة القضاء والقدر: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ – إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ

  • أخبرهم بعقيدة (أن الله هو الخالق سبحانه): أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي

إذن، قد أقيمت الحجة على هؤلاء بخبر (الواحد)، وقد رضي الله لقوله الذي تضمن كل هذه العقائد وأقره عليها وأدخله الجنة بذلك القول:

 قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)

 

نكتة لطيفة وملاحظة مهمة:

إن النكارى الجدد – منكري السنة النبوية في عصرنا اليوم – والذين لا يؤمنون بحجية خبر الآحاد لأنه يفيد الظن بزعمهم، هم أسوء من كفار بني إسرائيل الذين لم يعترضوا على مؤمن آل فرعون الذي أخبرهم بكل تلك العقائد لأنه (واحد) وخبره (خبر آحاد)، ولم يقولوا له إن ما جئت به يفيد الظن لذلك نحن لا نصدق به! ونحن لا نؤمن إلا إذا جاءنا الخبر متواتراً، وتواتراً لفظياً فقط!

لم يسجل القرآن هذا القولَ منهم أبداً، بل مدح الله تعالى راوي هذا الخبر عن الله تعالى وعن الرسل وهو مجرد (خبر آحاد)، بل وأدخل هذا الراوي الجنّة وجعله قدوة لنا إلى يوم القيامة. فأين أنتم؟ يا من أنتم أخس حتى من كفار بني إسرائيل؟!

  • قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات

أخبر الله تعالى أن علَّة عدم الأخذ بهذا الخبر هو فسوق الناقل لا قلة عدد النقلة! أي ليس لأن الذي جاءكم بالخبر هو شخص واحد فقط، بل لأن الذي جاء به فاسق (مجروح بفسقه بتعبير علماء الحديث).

أما إذا جاءنا بالخبر شخص صادق فلا مانع من قبوله، بل يجب علينا قبوله والتصديق به.

وقد جاءنا الصادق الأمين محمد بن عبد الله (ﷺ) بخير الأخبار عن الله تعالى فآمنًا به وصدقناه واتبعناه وهو واحد لا ثاني معه، فهل عليناً أن نرد خبره بحجة (ظنيةِ خبر الآحاد) أيها الخوارج المارقون؟!

  • قال تعالى، وهو يذم فعل الذين لم يؤمنوا بخبر الآحاد (موسى وهارون)، وقال إنهم (مهلكون)، حين قال سبحانه عن بني إسرائيل:

ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) المؤمنون

  • ألم يبعث النبي الكريم (ﷺ) معاذاً بن جبلٍ (وحده) إلى أحد مخلافي اليمن (والمخلاف الإقليم) ليدعوهم إلى الله تعالى وهو رجل واحد فقط، وبعث أبا موسى الأشعري كذلك (وحده) إلى المخلاف الآخر([17])؟!

أليس هذا خبر آحاد؟ وهو يفيد الظن بزعمكم؟

إذن كيف يجعل الرسولُ (ﷺ) – حاشاه – الناسَ يأخذون دينَهم بهذا الطريق الباطل الذي (لا يغني من الحق شيئاً) بزعم النكارى؟!

إذن فالرسول الكريم – حاشاه – يريد أن يضل الناس. فهل بعثه الله تعالى هادياً ام مضلاً؟!

وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ.. الشورى

وهل صراط الله الذي يهدي الرسولُ إليه هو الضلال والباطل؟ أم الحق والهدى؟

إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) الإسراء

  • أمر الرسول (عليه الصلاة والسلام) علياً بن أبي طالب وحدَهُ إلى ساحةِ القتال في خيبر وقال له: (وأَخْبِِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ) ([18])

(أَخْبِِرْهُمْ) وأنت (واحدٌ).. (ما يجبُ) أي الواجب من الدين الذي يجب أن يقوموا به.

أليس هذا خبرَ (آحاد)؟ بل هو خبرُ (الواحد)!

أي أن الرسولَ الكريمَ (ﷺ) – حاشاه – يأمرُ باتِّباعِ الخبرِ الظنّي – الذي كما قالوا: لا يغني من الحقِّ شيئاً – في أمورِ الدينِ الواجبةِ والعظيمة!

وهنا يُصبحُ الدينُ كلُّه لدى هؤلاء لعباً ولهواً وزيغاً وضلالاً وباطلاً..

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

اختلاف ثبوت؟ أم اختلاف تدبر؟

مرة أخرى، وأخرى، يخفي (الشيخ) أول الآية ويستدل بآخرها على مراده لا مراد الله تعالى، فيكذبُ ويدلّسُ ويوهمُ المتلقي بمعنى لم يُردْه الله تعالى في كلامِه، ولم يَقصدْهُ في كتابه الكريم!

فالآية الكريمة كاملة تقول:

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء

ولكن (الشيخ) بترَ قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ).. والذي يدلُّ على ما أراده الله تعالى من قصدٍ ومعنى فيها. أي أنكم إذا تدبّرتم (في) داخل القرآن وقرأتم آياتِهِ كلِّها بتفكرٍ وفهمٍ لها ستجدون أن هذا القرآن كله ليس فيه أي اختلاف واضطراب وتناقض بين آياته، وليس هنالك ثمة تضادٍ فيه من أول آية إلى آخر آية.

إذن أنت إذا قرأتها من بدايتها سيظهر لك المعنى واضحاً جلياً لا لبس فيه.

وهنا عرفتَ تماماً لماذا أخفى (الشيخ) أولَ الآية وذكرَ آخرها!

أما المعنى الذي ذهب إليه (الشيخ) فلا وجود له هنا لا من قريب ولا من بعيد! فليس الاختلاف هنا في ثبوت القرآن عن الله تعالى أم لا؟

بل الاختلاف المقصود بالآية الكريمة – وأكرر- معناه التناقض والتفاوت والتغيير والتعارض بين آية وأخرى في داخل الكتاب، وليس خارجه. وهذا ما أشار إليه حرف الجر (في) المتبوع بالضمير العائد على الكتاب الكريم في قوله (فيه): (لوجدوا فيه) أي في القرآن نفسه، في آياته وأحكامه وقصصه وما أخبر عنه، وليس الاختلاف في الناس الذين يثبتون أو ينفون صدوره عن الله تعالى!

وهذا ليس قولي أنا فقط، بل هو قول كلِّ مَن له أدنى معرفة باللغة العربية، وقد أجمع المفسرون على أن هذا هو المعنى المراد من الآية الكريمة، واقرأ قول القرطبي على سبيل المثال لا الحصر:

(قوله تعالى: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي تفاوتا وتناقضا… وقيل: المعنى لو كان ما تخبرون به من عند غير الله لاختلف. وقيل: إنه ليس من متكلم يتكلم كلاما كثيرا إلا وجد في كلامه اختلاف كثير، إما في الوصف واللفظ؛ وإما في جودة المعنى، وإما في التناقض، وإما في الكذب. فأنزل الله عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره؛ لأنهم لا يجدون فيه اختلافا في وصف ولا ردا له في معنى، ولا تناقضا ولا كذبا فيما يخبرون به من الغيوب وما يسرون.)([19])

ويخلط (الشيخ) كعادته بين الاختلاف في الثبوت والاختلاف بالمعاني والمقاصد والدلالات. فإما أن نتحدث في الاختلاف في الثبوت، وإما أن نتحدث في الاختلاف في الدلالات.

نعم، القرآن الكريم ثابت عن الله تعالى عند كل المسلمين، فهو (قطعي الثبوت)، ولكن دلالاته ليس ثابتة عندهم كلهم، فهنالك اختلاف كبير بينهم فيه في (قطعية الدلالة)!

وكذلك السنة النبوية، حتى لو كانت (قطعية الثبوت) فإنها لن تكونَ (قطعية الدلالة) حالها كحال القرآن الكريم بالضبط!

>< >< ><

(لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ)

أكرر هنا ما قلته آنفاً: ليس العبرة بحفظ النص، بل بحفظ الدلالة، فلا معنى من ثبوت النص والاختلاف في المعنى أبداً، وإلا كان عبثاً (حاشى الله وكتابه منه). ولذلك حفظ الله تعالى النص القرآني وحفظ دلالاته بحفظه للسنة النبوية، وعليه فحفظ السنة مرتبط ارتباطاً وثيقاً لا مفك عنه بحفظ القرآن.

واختلاف العلماء في تصحيح الحديث وتضعيفه لأنه كلام بشر أوحاه الله إليه بطريقة من طرق الوحي العديدة ([20])، وليس كلام الله تعالى المحفوظ بين الدفتين. لذلك أمرنا ربنا بالتوثق من صحة ما ينقل عنه (ﷺ) وعن غيره من البشر.

فقال سبحانه:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات

وبعد أن نتبين من صحة الخبر نكون ملزمين بالأخذ به، واقرأ القصة التالية:

(لما أُسرِيَ بالنبيِّ إلى المسجدِ الأقْصى، أصبح يتحدَّثُ الناسُ بذلك، فارتدَّ ناسٌ ممن كانوا آمنوا به، و صدَّقوه، و سَعَوْا بذلك إلى أبي بكرٍ، فقالوا: هل لك إلى صاحبِك يزعم أنه أُسرِيَ به الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ؟ قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ، قالوا : أو تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المقدسِ و جاء قبل أن يُصبِحَ ؟ قال : نعم إني لَأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك، أُصَدِّقُه بخبرِ السماءِ في غُدُوِّه أو رَوْحِه ، فلذلك سُمِّي أبو بكٍر الصِّديقَ).

نعم.. هي كلمة تعدل ديناً بكامله: (لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ)

وهي كلمة تحل كل مشاكل المسلمين وتبين لهم طريق الوصول إلى الله تعالى: (لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ)

وهي ما يجب أن يكون شعار كل مسلم: (لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ)

غش وخداع وتدليس

انظروا أيها الأحبة التدليس والغش الواضحين والخداع الشديد الذي يمارسه (الشيخ) في استدلاله.

فالآيات التي استدل بها هنا كلها جاءت في معرض الرد على الكافرين الجاحدين الذين يطلبون آيات أي معجزات كونية وخوارق يرونها بأعينهم من النبي الكريم. ولا تخاطب الآيات الكريمات المؤمنين أن اتركوا السنة واتبعوا القرآن!

لذلك أجاب الله تعالى الكافرين: أليست معجزة القرآن الكريم هي أمر خارق للعادة عندكم؟ ووحده الذي يجب عليكم أن تخضعوا له لأنه تحداكم بقوة نظمه وبلاغته وأسلوبه المحكم الخارق والذي لن تستطيعوا أن تأتوا بمثله مهما حاولتم ولو كان الجن معكم ظهيراً ومعينا:

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء

إذن، أليس هذا الكتاب آية كافية لكم تخضع لها أعناقكم؟ ألا يكفيكم أيها الكفار الجاحدون المعاندون وحده لتؤمنوا بالله تعالى وحده؟ والقرآن وحده ألا يكفيكم دليلاً على نبوة محمد (ﷺ).

فكيف تجعلها أيها (الشيخ) دليلا على المؤمنين ليتركوا السنة النبوية ويلتزموا بالقرآن فقط؟؟! ما علاقة هذه الآية بخطاب المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله وكتابه؟

واقرأ سياق الآيات التي قبلها والتي أخفيتها لتوهم الناس وتلبِّس عليهم دينهم بما لا يريده الله تعالى ولا يقصده سبحانه في كلامه أبداً:

وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت

فأي كذب هذا على الله وعلى الناس يا (شيخ)؟! ألا تخشى الله؟!

وأما الآية الثانية (فبأي حديث بعده يؤمنون) التي ذكرها (الشيخ) دليلاً على بطلان الأخذِ بالحديث النبوي الشريف والاكتفاء بالقرآن الكريم، فانظروا لحجم التدليس والخداع الذي قدمه للعوام فيها.

فقد جاءت الآية كجزءٍ من ثلاث آيات من كتاب الله، قطع (الشيخ) والسؤال هنا هل معنى (الآيات) هنا آيات القرآن الكريم المسطورة؟ أم الآيات المنظورة في الكون والآفاق؟

  • أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الأعراف

  • كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) المرسلات

فهاتين الآيتين الكريمتين تتحدثان عن معجزات الله تعالى في آفاق الكون، كالنظر في ملكوت السماوات والأرض، وفي آيات خلقهم، واختلاف الليل والنهار، وإنزال المطر، وتصريف الرياح، ويقصد بالآيات هنا الدلائل المنظورة في الكون وفي الآفاق لا المسطورة في الكتاب. كما قال تعالى عن (آياته) التي في الكون:

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت

والآية الثالثة توضح وتبين مقصد الله تعالى من كلمة (حديث) و(آيات) المتعلقة بـ (آيات الله الكونية) لا المقروءة:

  • إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية

لذلك لا تعلُّقَ هنا لكلامِ الله تعالى عن الآيات المنظورة بآياتِ القرآنِ الكريم المقروءة في كتابه.

إذن، فما علاقة الآيات التي ذكرتها باتباع القرآن الكريم وحده وترك وإنكار السنة النبوية؟

فأي كذب هذا على الله وعلى الناس يا (شيخ)؟! ألا تخشى الله؟!

ومع هذا كله لو تنزلنا معك في وقبلنا خداعك في أن (الكتاب يكفينا)، ففي هذا (الكتاب) الذي (يكفينا) جميعاً قد أمرنا الله تعالى باتباع نبيه في كل ما سنّه لنا، وطاعته في كل ما أمرنا به، والانتهاء عن كل ما نهانا عنه، وحذرنا من معصيته ومخالفته بأن يدخلنا نار جهنم، أو تصيبنا الفتنة والعذاب الأليم!

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) النساء

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور

إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) الجن

إذن حتى لو أخذنا بالنصوص التي قصدت من ورائها نفي السنة فإن هذه النصوص نفسها تثبتها وتلزمنا بها، فالعبوا غيرها أيها الخوارج المارقون!

>< >< ><

بل على العكس تماماً، فقد أولَوه كلَّ اهتمامِهم. وما تقسيماتهم الدقيقة جدا للأحاديث وبحثهم عن العلل الخفية والظاهرة ودراستهم لأحوالِ الرواة وكل ما يخصُّ حفظَهم وعدالتَهم وسائرَ خصائصِهم إلا لاعتنائِهم بصحةِ نسبة أقوالِهم لرسول الله (ﷺ). فهم يسعون جاهدين للوصول بالحديثِ إلى مرحلة عدمِ (الريب).

الاختلاف في ماذا؟ هل في أصولِ الدينِ وأساسياتِه؟ أم في الفروعِ التي يَسوغُ فيها الاختلاف، لأنها وإن كانت قطعيةَ الثبوتِ إلا أنها لم تكن قطعيةَ الدلالة. ولا يكفي ثبوتُ النصِّ كي يمنعَ من الاختلاف إلا بعد ثبوت الدلالة كما هو معروف عند جميع العقلاء.

>< >< ><

 

كيف عرفت أن (حبل الله) هو القرآن الكريم؟  من أخبرك بهذا؟ هل نزل عليك الوحي؟

أليس هذا جهداً بشرياً منك في تفسير هذه الآية؟ وليس هو حكماً موجوداً في (الكتاب).

وبناء على قاعدتِكَ التي قعّدتَها وقلت نصاً:

إذن فتفسيرُك وكلامُك كلَّه (ضلال وظن وخرص ونقص)!

وكلامك باطل كله، لأنه من سوى (الكتاب) فهو (ظن) لا يقين فيه بنص كلامك، وما كان ظناً فليس بحق، فهو باطل!

ثم أقول: وهل (القرآنيون) بكل فرقِهم القديمةِ والحديثةِ متفقون و(مجمعون) على أمرٍ واحدٍ؟ أم هم متفرقون أشدَّ التفرقِ لأنَّ كلَّ (فردٍ) منهم – ولا أقول كلَّ (جماعةٍ) – يفسرُّ برأيه وهواه ويأخذ بمعنىً مغايرٍ للآخر. فأين الاجتماع؟!

المعايير الربانية والمعايير البشرية

إنها – كما قلت آنفاً – معايير ربانيةٌ فطريةٌ عقلية منطقية وضعها الله تعالى في فطرة كل إنسان منذ ولادته ليميز بها الصحيح من السقيم والحق من الباطل.

ويسميها العقلانيون والمناطقة بـ (الضرورات العقلية) أو (البديهيات الفطرية): كنفي اجتماع النقيضين، والثالث المرفوع، والكل أكبر من الجزء، ولكل حادث محدث.

ومن ذلك مصادر المعرفة التي وضعها الله تعالى في البشرِ أجمعين كالعقل والحس والتجربة والخبر.. وأعلى هذه المصادر المعرفية (الخبر).. وعلى أساسِه يمكنُ الحكمُ اليقيني القطعي على أمورٍ تصلُنا عن طريقِ الأخبارِ فقط. فخبر وجود دولة تسمى أمريكا مثلا نجزم جميعنا بصحته، وجميعنا نقول إنه خبر يقيني قطعي، مع أن كثير منا لم يذهب إليها ويراها بنفسه.

 كذلك لو قلنا إن هنالك خبراً يقولُ أنّ هنالك في الماضي رجالاً عُرِفوا بأبي بكرٍ وعمرَ وعثمان، فهذا عندنا خبرٌ يقينيٌّ لا ظنّي.

وأن الخبر الذي وصلنا من أن النبي محمد (ﷺ) له أبٌ اسمه عبد الله، وجدٌ اسمُه عبدُ المطلب، وأن أمَّه اسمُها آمنةُ بنتُ وهبٍ، كلُّ هذه الأخبار نستطيعُ أن نجزمَ بصحتِها جزماً يقينياً قطعياً.

وقد استدل الله سبحانه لأهل الكتابِ على صدقِ (كتابِه) وأنه يقيناً من عنده سبحانه، بأن معرفتَهم له (أي تصديقَهم له) هي كمعرفتِهم لأبنائِهم وتصديقِهم بأنّهم أبناؤهُم هُمْ وليسوا أبناءَ غيرهم)، فقاس معرفتهم بأمر يعتبرونه يقينيّاً عندهم لا يشكّون فيه أبداً، وهو في حقيقتِه أمرٌ (ظني الثبوت) كما أوضحنا.

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) البقرة

وأنت كذلك تستطيعُ أن تجزمَ جزماً قاطعاً (كما تجزمُ بصحةِ ثبوتِ القرآن الكريم) أن اسمك طه، وأن أباك هو حامد، وأن جدك هو مزعل، وأنك من عشيرة الدليم، وأن أمك ماتت قبل أبيك، وأن جارك هو فلان، وأن المحمودية بلدة تقع جنوب بغداد، وأن، وأن، وأن…. ملايين بل مليارات من الأخبار اليقينية القطعية الثابتة ثبتت من خلال معايير وضعها البشر لأنفسهم (بل وضعها الله تعالى بهم) وساروا عليها لتصلح حياتهم.

وكما إنك تصدق بالخبر الذي يأتيك به ابنك (الصادق) حين يقول لك إني رأيت صديقك فلان اليوم وتجزم بصحته، وحين تقول لك زوجتك (الصادقة) إني ذهبت إلى أختي اليوم وتجزم بصحة كلامها، وحين يخبرك صديقك (الصادق) أنه سافر إلى باريس وتجزم بصحة كلامه، وحين يخبرك جارك (الصادق) أنه اشترى شيئاً من السوق وتجزم بصحة كلامه.. وهكذا.. مع إن كل هذه الأخبار هي (أخبار آحاد، بل خبر الواحد) لأن الذي جاءك بها شخص واحد فقط لذلك فهي تفيد (الظن) كما يطلق عليها العلماء!

كل هذه الأخبار عرفنا ثبوتها من خلال معايير وضعها – كما تزعم – البشر بأنفسهم، فهل تطعن بتلك المعايير؟ اذن اطعن بنفسك وبنسبك وبكل معلوماتك ومعارفك العلمية وبكل شيء في حياتك!

وأكرر، بل هي معايير فطرية وضعها الله تعالى في الناس لكي يميزوا فيها بين ما هو حق وما هو غير ذلك، وبها تنصلح أحوالُهم وأمورُهم، كي يستطيعوا العيش على ظهر هذه الأرض في حياتهم الدنيا حتى يلاقوا ربهم.

وما الكتبُ السماويةُ جميعُها (بما فيها القرآن الكريم) إلا أخباراً يُخبرُ بها الأنبياءُ (عليهم السلام) أقوامَهم عن ربِّهم، فيقولون لهم: قالَ اللهُ تعالى كذا، وأمرَ بكذا، ونهى عن كذا. وما كلُّ (خبرٍ) من هذه الأخبارِ أو (كتابٍ من تلك الكتبِ المقدسةِ) إلا وقد نَقلَهُ لقومِهِ رجلٌ صادقٌ واحدٌ فقط عن الله تعالى، أفنكذّبُها جميعَها لأنها (أخبارُ آحادٍ)، بل هي (خبرُ الواحد)؟!

إذن فالأديانُ باطلةٌ كلُها! وهذا هو بكلِ وضوحٍ طريقُ الكفرِ والإلحادِ، فأبشروا يا مَن تُسمّونَ أنفسَكم (القرآنيون).

ما لكم كيف تحكمون؟

تدليس على الإمام مالك (رحمه الله)

تدليس آخر! وهذه المرة على الإمام مالك رحمه الله، فالإمام مالك لم يرد حديثاً صحيحاً وصله عن رسول الله (ﷺ). ولو كان كلامك صحيحاً لما كتب حديثاً واحداً في موطئه، ولا استشهد بحديث ورده عن رسول الله (عليه الصلاة والسلام). بل ترى الموطأ قد جمع فيه أكثر من 850 حديثاً عن رسول الله.

أما موضوع عمل أهل المدينة فكل ما في الأمر هو إذا تعارض حديث الواحد (وليس الآحاد الذي يرويه عدد من الرواة لكنه لا يبلغ حد التواتر في كل طبقاته) – وحديث الواحد رواه راوٍ واحد فقط يسكن خارج المدينة المنورة – مع عمل أهل المدينة قدم عمل أهل المدينة عليه، ذلك لأن عملهم هو امتداد لعمل أصحاب رسول الله وبالتالي هو عمل رسول الله (ﷺ) نفسه لأنهم جميعا كانوا من سكنة هذه المدينة المباركة.

 وليس كما يقول ويوهم (الشيخ) بأنه يردّ الحديثَ الصحيحَ مهما توفرت فيه شروطُ الصحة، وهذا كذبٌ وافتراءٌ وتدليسٌ واضحٌ على الإمام مالك رحمه الله يعرفُه أقلُّ طلابِ العلم علماً.

والسؤال هنا لماذا جمع الإمام مالك (رحمه الله) أحاديثَ رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) في كتابٍ واحدٍ سماه (الموطأ) إن كان لا يعترفُ أصلاً بالحديث (مهما توفرتْ فيه شروطُ الصحة)؟ ولاكتفى بجمعِ عملِ أهلِ المدينة فقط بدلاً عنه؟!

وهل تعلم أن الإمامَ مالكاً (رحمه الله) – الذي تستدل أنت هنا بعمله – هو من ذَكرَ في موطئِه هذا الحديثَ الذي تُنكرونَه وتحاربونَ من يتَّبعُه، وهو الحديثُ الذي بُنيَ عليه الدين كلّه (الكتاب والسنة):

{قال رسولَ اللَّه (ﷺ): ((تَركتُ فيكُم أمرَينِ، لن تضِلُّوا ما تَمسَّكتُم بهما: كِتابَ اللَّه، وسُنَّةَ نَبيِّه)) موطأ الإمام مالك 2/899}

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

إذا صح الحديث عن النبي (ﷺ)، هل ستتبعونه فيه؟

وهل أَمَرَهُ اللهُ تعالى بكتابةِ القرآن؟

إن قلتَ: نعم.

فأين أَمَرَه؟ في أيِّ آية؟ ائتِنا بها لو سمحت!

وإن قلتَ: لا، لم يأمرْه الله تعالى بكتابةِ القرآن. إذن أنت تؤمنُ بأنَّ النبيَّ الكريمَ قد فعلَ فعلاً لم يأمرْه الله تعالى به!

وهل فَعَلَ النبيُّ (ﷺ) هذا الفعلَ بوحيٍ من الله تعالى، أم فَعلَهُ بغيرِ وحيٍ من الله تعالى؟

إن قلتَ: فَعَلَهُ بوحيٍ من الله تعالى فقد أثبتَّ الوحيَ الثاني للنبيِّ غير وحيِ القرآن الكريم، وهذا هو ما نسمّيه (السنةَ النبوية)!

وإن قلت: فعلَهُ بغيرِ وحيٍ من الله تعالى، فكيف يفعلُ النبيّ أمراً عظيماً كهذا باجتهادٍ منه؟! وقد وافقه الله تعالى عليه ولم ينكرْه سبحانَه كما أنكرَ أموراً أخرى ذكرها القرآن.

وبغض النظر عن أن الله تعالى وافقَه أمْ لمْ يوافقْه عليه، فنحن قد أثبتنا أن للرسولِ عملاً آخرَ غير تبليغ القرآن الكريم كما يدّعي النكارى!

أما كتابةُ حديثِ النبيِّ الكريم (ﷺ) فأنت تعرفُ قبلَ غيرِك (وقد دلَّسْتَ وأخفيتَ هذهِ الحقيقةَ كعادتِك) أنّ ليسَ كلُّ أقوالِه وأفعالِه وأحوالِه وحياً من الله تعالى يجب علينا اتباعَهُ فيه. بل غالبُ حياتِه (عليه الصلاة والسلام) كانت كباقي البشر.

فقد كان (ﷺ) يأكلُ ويشربُ ويمشي وينامُ ويتزوجُ ويلبسُ ويمرضُ ويتطيبُ وغير ذلك مما يفعله الناس، وهذا ليس من الوحي الإلهي المأمورين بطاعته، لذلك لم يكلّفه ربُّه ما لا يطيق في كتابته كله للناس، كما لم يكلفنا ربنا ما لا نطيق من اتباعه فيه.

أما ما يخص ما يجب اتباعه (ﷺ) فيه فقد حفظه الله تعالى لنا كما حفظ كتابه الكريم. وما كتب الحديث الصحيح التي وصلتنا إلا دليلاً واضحاً على ما نقول.

وتخيل نفسك تعيش في زمن النبي، وجاءك أحد الصحابة (رضي الله عنهم) يقول لك: قال رسول الله (ﷺ) كذا وكذا. فهل لك أن ترد هذا (الحديث) بحجة انه ليس في كتاب الله؟! ولم يصلك مكتوباً ومحفوظاً ككتاب الله؟!

أم إنك ستقول له: يجب على النبي أن يبلغني بنفسه ويبلغ الناس كلهم فرداً فرداً فإننا لا نؤمن بحديث ينقله أحد عنه!

المشكلة الحقيقية هنا، وهي هل أنت متبع لرسول الله تعالى أم لا؟

النكرانيون يخلطون الأوراق لكي يمنعوا الناس من اتباع رسول الله، فيشككون في نقلة حديثه الشريف. طيب نقول لهم هل إنكم لو محّصتم نقَلةَ (الحديث) ووجدتموهم ثقاتٍ أخياراً حفظةً صالحين، وتأكدتم حقيقة من أن الرسول قد قال هذا (الحديث)، هل ستتبعونه فيه؟

هنا سيظهر بطلان مذهبهم، وسيبدؤون بالتشكيك في وجوب اتباع النبي، وهل أمرنا الله تعالى باتباعه مطلقاً؟

ثم سيقولون لك: نتبعه بما يوافق القرآن فقط!

وهل تتصور أن رسول الله يخالف القرآن بقول أو عمل؟! إنما هي حجة ليصرفوك عن اتباعه (ﷺ)

والطامة الكبرى هي ما قاله (الشيخ) بأنه لا يتَّبعُ (النبيَّ) حتى إنْ صحَّ الحديثُ عنه إن كان مضمونُ كلامهِ خطيراً!!! ولا يتَّبعه إلا في الأمورِ البسيطةِ كالآدابِ والأخلاقِ العامة!!! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كيف يمكن لمسلمٍ يؤمن بالله تعالى ويحب رسوله (ﷺ) أن يقف أمام وجهه الشريف ويقول له بكل صلافة ووقاحة: (لا يحقُّ لكَ أن تأمرَني بأمرٍ خطير! لن أطيعَك فيه، فأنتَ وظيفتُك أنْ تُبلِّغَ القرآنَ فقط)!!!

أرأيتم مدى خطورة هذا المنهج الباطل؟

والله تعالى يقول:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) النور

(أمراً) أي أمر.. صغيراً كانَ أو كبيراً، بسيطاً كانَ أو خطيراً. في الأصول كانَ أو في الفروع.

 

 

وأخيراً أود أن أذكر (الشيخ) وأكرر عليه ما قاله في كتابه (مواقيت الصلاة) لعله يرجع إلى رشده قبل أن يلاقي ربه:

 

نهاية الجزء الأول..

ويليه الجزء الثاني بعنوان (الموقف من الحديث)

إن شاء الله تعالى

محتويات الجزء الأول

 

مقدمة الجزء الأول. 6

فتن كقطع الليل المظلم. 7

حكمة بالغة تعدل الدنيا كلها 9

بينَ يَدَيْ هذا الكتاب.. 14

(أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) 17

ليس كلُّ مستدلٍ بالقرآنِ الكريمِ هو على حق.. 20

هل السنّةُ وحيٌ من الله تعالى؟. 22

سؤال مهم.. جداً 25

الملف الأول (السنة .. معناها .. حجيتها)() 27

كلمةُ حق أُريدَ بها باطل. 27

(الهداية) وعلاقتها بـ (الصراط المستقيم) 30

(لا ريبَ فيه).. الريبُ ريبان: ريبٌ في ثبوتِ اللفظ، وريبٌ في معناه 33

مغالطات.. واستغفال. 35

(يعلّمُهُم الكتابَ) 37

قضايا كبرى تم حلُّها بالسنَّة فقط.. 40

أيهما أولى: حفظ اللفظ؟ أم حفظ المعنى؟. 42

تدليسٌ غيرُ مغفورٍ. 44

هل يقبلُ اللهُ تعالى العملَ بالظنِّ الراجح؟. 45

حجيةُ الأخذِ بأحاديثِ الآحاد. 49

نكتة لطيفة وملاحظة مهمة: 53

اختلاف ثبوت؟ أم اختلاف تدبر؟. 55

(لئن كان قال ذلك لقد صدَقَ) 57

غش وخداع وتدليس… 58

المعايير الربانية والمعايير البشرية. 62

تدليس على الإمام مالك (رحمه الله) 64

إذا صح الحديث عن النبي (ﷺ)، هل ستتبعونه فيه؟. 65

 

([1]) رواه مسلم/ الرقم: 118

([2]) رواه البخاري ومسلم

([3]) عبارةٌ سمعتُها من أخي (الدكتور أمجد يونس الجنابي) تلخص الأمر برمته، فأحببتُ أن أسطرَها في مقدمةِ كتابي هذا.

([4]) وانظر إلى محمد شحرور والكيالي – على اليوتيوب وغيره – كيف يقرأون القرآن ولاحظ أخطاءهم الكثيرة التي لا يقع فيها طفل صغير في الابتدائية،

([5]) وأخص منهم على سبيل المثال لا الحصر: المهندس علاء، المهندس فرانك، د. أشرف، المحاربة العثمانية، د. أحمد السعيد، محمد المغترب، أبو خالد، أبو مالك، د. أحمد الشامي، د. هدى بسنودة، علي أميري، وآخرون لا نعلمهم، الله يعلمهم.

([6]) كتاب مواقيت الصلاة في المصادر المعتمدة عند أهل السنة والشيعة/ د. طه حامد الدليمي / صفحة 20

([7]) رواه مسلم/ رقم 2654

([8]) ولا أظنّه سيقوم بالتفاعل والرد لما أعرفه عنه من أَنَفَةٍ وتعالٍ! وبالفعل، لم يفعل، فقد مضى لحد الآن أكثر من 20 يوماً ولم يصلني منه أي شيء! لذلك أعتبر هذا تخويلاً وإقراراً سكوتياً منه بنشر كتاب هذا على العامة.

([9]) [مسند أحمد] (28/ 429 ط الرسالة) (‌17194).. وهذا الحديث الشريف مرويّ بطرق عديدة، وأذكر منها ما يلي:

[في سنن أبي داود] (4/ 328 ط مع عون المعبود)

‌4604- حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، نا أبو عمرو بن كثير بن دينار، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدام بن معديكرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه)).

[وفي مسند أحمد] (28/ 410 ط الرسالة)

((‌17174- حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، عن المقدام بن معدي كرب الكندي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم، فعليهم أن يقروهم، فإن لم يقروهم، فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم)).

[وفي سنن الترمذي] (5/ 38)

‌2664- حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر اللخمي، عن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه. وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله)).

([10]) هنا سأبدأ بعرض اقتباسات من كتاب (الحديثيون) والرد عليها.. وهكذا وصلتني العناوين في مسودة الكتاب، ووضعتها كما هي على شكل ملفات. ونصوص كلامه وضعتها في إطار أحمر لتمييزها عن ردي عليها. أي أن كل ما في داخل الإطار الأحمر هو كلام (الشيخ) طه الدليمي، وكل ما هو خارجه هو كلامي وردودي عليه.

([11]) الآيات القرآنية الواردة في الرد على البدع المتقابلة دراسة عقدية [أحمد بن علي الزاملي]

([12]) يذكر (الشيخ) كلمة (الكتاب) دائماً وهي محاطة بين أقواس مما يوحي بأنه يقصد شيئاً من ورائه لا المعنى الذي يعرفه جميع المسلمين في أن (الكتاب) هو (القرآن الكريم) حصراً.. وهو في هذا يتبع منهج (شحرور) لعنه الله في التفريق بين (الكتاب) و (القرآن) و(الذكر) و(الفرقان) تفريقاً لا تشهد به اللغة ولا الشرع ولا إجماع الأمة الإسلامية فيجعل من القرآن الكريم كتاباً مشتتاً ممزعاً!

([13]) مقتبس من إحدى مقاطع (دال على الخير @jeremyclavd) على التيكتوك

([14]) سيأتي هذا العنوان في الجزء الثاني مع ردودنا عليه إن شاء الله تعالى.

([15]) أرجو قراءةَ بعضٍ من تفاسير العلماء بخصوص الآيتين الكريمتين على الرابط التالي: https://surahquran.com/aya-tafsir-46-4.html:

تفسير السعدي:

ثم بين كيفية ضلالهم وعنادهم وإيثارهم الباطل على الحق فقال: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} – أي: اليهود وهم علماء الضلال منهم.

{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} إما بتغيير اللفظ أو المعنى، أو هما جميعا.

المختصر في التفسير:

من اليهود قوم سوء يغيرون الكلام الذي أنزله الله، فيُؤوِّلونه على غير ما أنزل الله

التفسيرالوسيط:

قال الفخر الرازي: في كيفية التحريف وجوه:

أحدها: أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر.

مثل تحريفهم اسم «ربعة» عن موضعه في التوراة بوضعهم «آدم طويل»، وكتحريفهم الرجم بوضعهم الجلد بدله.

الثاني: أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه من الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم.

وهذا هو الأصح.

الثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه».

والذي نراه أولى أن تحريف هؤلاء اليهود للكلم عن مواضعه يتناول كل ذلك، لأنهم لم يتركوا وسيلة من وسائل التحريف الباطل إلا فعلوها، أملا منهم في صرف الناس عن الدعوة الإسلامية، ولكن الله-تبارك وتعالى- خيب آمالهم.

([16]) الكلام أدناه جُلَّه من كلامِ الدكتور أحمد الشامي رداً على سؤالي له (في التيكتوك) عن حجية الأخذ بخبر الآحاد، فجزاه الله كل خير على رده المحكم المفصّل.

([17]) نص الحديث: (بَعَثَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبَا مُوسَى ومُعَاذَ بنَ جَبَلٍ إلى اليَمَنِ، قالَ: وبَعَثَ كُلَّ واحِدٍ منهما علَى مِخْلَافٍ، قالَ: واليَمَنُ مِخْلَافَانِ، ثُمَّ قالَ: يَسِّرَا ولَا تُعَسِّرَا، وبَشِّرَا ولَا تُنَفِّرَا، فَانْطَلَقَ كُلُّ واحِدٍ منهما إلى عَمَلِهِ) صحيح البخاري 4341

([18]) الجزء الشاهد من الحديث: (قالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا؟ فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ) صحيح البخاري 4210

([19])  تفسير القرطبي – تفسير سورة النساء – الآية 82

([20])  فالوحي لغة هو: الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك يقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت. انتهى من لسان العرب. وهو الإعلام الخفي السريع الخاص لمن يوجه إليه بحيث يخفى على غيره. وأما تعريف الوحي شرعاً فهو: التعليم الصادر من الله الوارد إلى الأنبياء، فهو أخص من المعنى اللغوي بخصوص مصدره (الله) ومورده (الأنبياء)، والوحي نوعان: تعليم بواسطة ملك، وتعليم مباشر بلا واسطة ملك، وكلاهما يصح أن يكون في اليقظة أو في المنام وهي “الرؤيا الصالحة”، والتعليم المباشر يكون إما بالإلهام وهو إلقاء المعنى في النفس، أو بالكلام من وراء حجاب أي بدون رؤية. والتعليم بواسطة له صور: 1- أن يشاهد النبي الملك عند الوحي ويراه في صورته الحقيقية، وهذا نادر. 2- أن يشاهد النبي الملك عند الوحي ويراه في صورة بشر. 3- ألّا يرى النبيُّ الملَكَ عند الوحي، بل يسمع دوياً وصلصلة فتعتريه حالة روحية غير عادية، حتى إذا قضى الملك رسالة ربه عاد إلى عادته. انتهى بتصرف من كتاب الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا. والله أعلم.

1 thoughts on “النكارى.. مطايا المُلْحِدِين/ ج1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *